د.عيد بن حجيج الفايدي
القتل جريمة من أخطر الجرائم. والجريمة الإرهابية هي مستوى عال جدًّا، بل هي مجموعة من الجرائم لم تكن معروفة؛ فهي تسبب الصدمة والرعب لفئات المجتمع كافة؛ فهي تتجاوز الحدود بسرعة فائقة إلى مكان لم يتوقعه أحد.. وقد اختُلف في تعريفها وتحديد مكوناتها، وهذا ما حدث في مسجد النور في نيوزيلندا من خلال الاعتداء على المصلين في صلاة الجمعة؛ فكانت الصدمة كبيرة جدًّا، ليست في نيوزيلندا وحدها، بل انتشر التأثر والأثر في كل مكان متجاوزًا الدول والقارات على الرغم من أن نيوزيلندا تعيش في طرف شرقي بعيد، واكتسبت شهرة من أنها بلد من أقل بلدان العالم في مؤشرات الجريمة، ويتميز بالهدوء وحسن التعامل مع الآخر.
لكن ذلك الإرهابي مزَّق السجل والسمعة الحسنة لبلاد السحابة البيضاء التي تحولت إلى سحابة حمراء من الدماء البريئة التي كانت تعبد الله في مكان آمن. وهذه الجريمة ليس لها سابقة حديثة. لقد أساء المجرم في استخدام التقنية؛ فهو نفَّذ الجريمة ونقلها (مباشر) عبر صفحته في موقع الفيس بوك، ومن خلال جواله الشاهد الحي على جريمته؛ وبهذا لم يمنح أي محقق فرصة للتشكيك فيمن هو المجرم، واختصر عليه الوقت والجهد والتفكير في ربط الوقائع أو الربط بين الدلائل أو الشواهد؛ فقد أثبت على نفسه الجريمة مع سبق الإصرار والترصد، وأضاف محورًا جديدًا لعلم النفس الإجرامي، وإلى المحاور والمجالات لدى المتخصصين في كليات الشرطة.
والمجرم الإرهابي هنا تجاوز نظريات علم الجريمة، ولا يمكن أن يُتهم بالتخلف العقلي، أو أن به خللاً في قدراته العقلية؛ فهو دوّن صفحات تجاوزت 75 صفحة، وقام بنشرها إلكترونيًّا.. وهذا لا يقوم به متخلف عقلي، بل يدل على إعداد فكري مسبق، ومتصفح للتاريخ، ومتابع للأحداث التاريخية الصليبية المعادية للإسلام.. وقد سجَّل أسماء من لهم أحداث ووقائع مع الربط التاريخي الذي لا يدع مجالاً للشك في دوافع المجرم.
وعندما بث جريمته على الهواء فهو يحاكي وينفذ لعبة إلكترونية معروفة ومنتشرة بين المستخدمين للألعاب الإلكترونية الافتراضية التي تحاكي الواقع تمامًا، مثله مثل الطيار الذي يتعلم الطيران؛ إذ يبدأ تعلمه في مكان افتراضي يحاكي الطيران الحقيقي. وهنا يبرز الإرهاب الإلكتروني، وتظهر خطورة الألعاب والتطبيقات الإلكترونية الواقعية؛ فتطبيق الألعاب الإلكترونية على أرض الواقع يساعد على التعلم، ويكون مستعدًّا للاستجابة السلوكية السريعة.
وهذه الجريمة لم تكن المرة الأولى التي تنفَّذ بطريقة الألعاب الإلكترونية، بل سبقتها جريمة أخرى، وقعت في مدرسة في البرازيل؛ إذ نفَّذ المجرم جريمته في المدرسة على منوال لعبة إلكترونية، لكن تختلف عنها بأن المجرم في المدرسة لم يكن يصوِّر نفسه، بل صورته كاميرات المراقبة في المدرسة. وقد نفَّذ خطوات اللعب على أرض الواقع بدم بارد.
والجريمة عندما تُنفَّذ في مسجد أو مدرسة فهي - بلا شك - خروج متعمد على النظام العام، واعتداء على الأبرياء.
وهنا يظهر الإرهاب من خلال التقنية مستفيدًا من التطور الذي يشهده هذا الميدان. والمواجهة والحل يبدآن في ميدان التقنية؛ فبعض الدول قررت على الطلاب مادة جديدة، اسمها الرياضة الإلكترونية لمواجهة المرض الجديد (الإرهاب الإلكتروني).