علي الخزيم
هو كَهْل طَيِّب كسب تجارب عريضة متراكمة بحياته التي شرَّق خلالها وغرَّب جامعاً أشتاتاً من العادات والتقاليد والثقافات والحكايات التي تعيشها مجتمعات زارها أو تعامل معها بالتجارة والرحلات الكثيرة لأغراض مختلفة، والرمز له بهذه الكُنية محببة له لأنها تتعلق بعزيز لديه، حديثه لا يُمل وهو لا يَكِل من سرد القصص والحكايات الجميلة الزاخرة بالتجارب والمواقف المثيرة وكغيره من البشر ينجح كثيراً -حسب روايته- بتجاوز المواقف ويُخْفِق قليلاً، غير أني أشك بكلمة (كثيراً) لأني افترض أنه يُبْرِز لنا الجيد من الحوادث التي لصالحه ويُخفي التي دون ذلك، ولا تثريب عليه فليس لنا مطالبته بكل ملفاته، كما أن العرب تقول: ليس كل ما يُعلم يقال.
ونحن نتسامر ذات ليلة قارسة البرد جاء الحديث على أوضاع الأسر التي لا تملك وسائل التدفئة والملابس الكافية والقوت المُعين على المقاومة، وانبرى شاب من الحضور تزوَّج مؤخراً؛ يشرح معاناته مع دخله البسيط وطلبات بيت الزوجية، فانتصب الشيخ وحمد الله وأثنى عليه؛ وقال: كان هناك فلاح بسيط بأطراف نجد وجارت عليه ظروفه فلا حقله أثمر ولا ماؤه فاض ولا نخله أينع، فإن صبر هلك الزرع والضرع، فلا بد من المجازفة واقتحام غمار الدِّيون، توجَّه للقرية حيث الرجل طيب الذكر الذي عُرف عنه أنه لا يرد فقيراً ومستغيثاً أو مُسْتَديناً، ولكن يبدو أن الفلاح جاء بالوقت غير المناسب، فاستقبله الرجل الطيب وضيَّفه بما يجد ثم سأله عن مراده؟.. فعرض الفلاح مطالبه وأنه بحاجة للمال دَيْنَاً، فابتسم صاحب المال وهو يقول: يا بني؛ كنا كما تريد، والآن نحن وإياك بسنوات ممحلة لا مزيد فيها من الأموال والزرع، ولكن سألبِّي بعض مطالبك بشرط! قال المزارع الشاب هات ما عندك، فاشترط عليه أن يتزوج ابنته ليُقدم له الدَّين، وافق على مضض، وبعد صلاة العصر، كان (المُطوَّع) أيّ المأذون حاضراً لعقد النكاح، ومع أذان العشاء كان قد وصل لمزرعته ومعه المال والزوجة، لماذا كان الشرط؟ هي مصالح مشتركة، فالفلاح قد حصل على زوجة ومُعينة له على العمل وطلب الرزق، والرجل الصالح قد أمَّن بنته عند شاب صالح كادح مستقيم وأسقط تكاليف معيشتها من حساباته بتلك الظروف.
هكذا كانوا من البساطة والتكاتف والتراحم والتآلف، يكاشفون بعضهم في سبيل الخير وإصلاح المجتمع، والأب يختار لابنته من يناسبها ويرضى دينه وخلقه، دون نعرات طائفية وقبلية، وبعيداً عن الطبقية الزائفة، فأب الفتاة لم ينظر للفارق المادي المعيشي بينه وبين الكادح البسيط، لثقته بأنه خير من قابله ليكون كفؤاً للشابة الصغيرة ليحميها بكنفه وفي ظله، ثم إن من حكمة الرجل أن اختار لابنته من تتعلم عنده أشياء جديدة كضمان لمستقبلها وأنجالها بعون الله.
أراد (أبو دحيِّم) من الحكاية تقديم رسالة للشاب المُتذمِّر ولكل الشباب المقبلين على الزواج من الجنسين بأن الحياة مشاركة عادلة، وأن سلوكيات التسوُّق المتهورة تُعَد خرقاء لا تليق بأجيال مملكة العزم والحزم.