سلمان بن محمد العُمري
هناك فئة من "أطباء بلا حدود" لا يتبعون للمنظمة الطبية الإنسانية الدولية غير الحكومية التي تتخذ من مدينة جنيف في سويسرا مقراً لها، وتقدم الرعاية الطبية عالية الجودة للبلدان المتضررة من الأزمات والكوارث والأوبئة، وتلك الفئة التي سأتحدث عنها لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد لهذه المنظمة الإنسانية، فهؤلاء ليسوا بالأطباء ولا بالمساعدين ولا بالصيادلة، ولكنهم دخلاء على الطب، وعلى العلم، وعلى المعرفة كان عملهم محدوداً في المجالس والاستراحات وتجمعات العمل وغيرها، والآن أصبح نطاقهم أوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكاله وأنواعه، وتجدهم على كل موقع يقدمون الإرشادات من الطب البديل والشعبي وحتى الأدوية بمختلف مسمياتها وأنواعها وحتى التي لا توجد في السوق المحلي!
يروي أحد الأخوة عن مجموعة نخبوية للأسف تضم جمعاً من المتعلمين من رجال الأعمال وأساتذة الجامعات وموظفين مدنيين وعسكريين، وشكا أحدهم من آثار نزلة البرد وتداعياته، فتصدى عدد من الأعضاء في المجموعة بصرف الوصفات وتقديم النصائح بدءاً بالعلاجات الشعبية التي زادت عن العشرة وهي مختلفة ومتنوعة، والبعض اجتهد وقدم أسماء أدوية، عدا من قدم مقترحاته على الخاص أو من طلب منه أن يذهب لأطباء ومستشفيات معينة، وهؤلاء "الأطباء" -عفواً - "الدخلاء" على الطب والعلم والمعرفة كانوا بالأمس ينثرون نصائحهم وتوجيهاتهم وإرشاداتهم الطبية في المجالس بل وفي المستشفيات عند زيارة المرضى فلا يكتفون بنصح الأصحاء أو المرضى، وفي هذا الزمان فلربما اجتهد البعض بشكل سافر وقدم روابط ومقاطع ليس للدخلاء على الطب فحسب بل لمشعوذين ودجالين يحتالون على الناس ويسلبون صحتهم قبل أموالهم ويزيدون علتهم عللاً، وكم وصلت إلينا جميعاً مقاطع وصور لمعالجين يدعون أنهم على مقدرة لعلاج عشرات الأمراض وتفوقوا على أطباء واستشاريين لا يتجاوزون تخصّصاتهم الطبية التي يمارسونها فعلياً، وهؤلاء يخلطون الحابل بالنابل، ويستغلون حاجة بعض المرضى الذين أصبح حالهم كحال الغريق الذي يحاول الإمساك بالقشة لينجو.
إنّني أؤمن بأنه ما من داء إلا وأنزل الله له دواء كما أخبرنا نبيّنا الصادق المصدوق محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولكن هل كل منا علم ما هو علاج هذا الداء، وما الدواء المناسب له، وهل يعني استخدام (X) من الناس للعلاج وبرؤه أن هذا العلاج يصلح لـ(Z) من الناس، فلكل علاج وحسب الأنواع أضرار جانبية، ولربما كان لدى المريض حالات أخرى تستوجب الامتناع عن أدوية محددة أو الأخذ منها بنسب محددة لا يفهمها ولا يعلمها إلا بعض المختصين.
كم من المرضى كان سبب وفاتهم وانتكاس حالاتهم وصفات طبية من مجتهدين، وكم حالات أصيبت بالفشل الكلوي أو دمار الكبد وتليفها الكامل نتيجة توصية من هؤلاء الدخلاء على الطب.
إذا كانت الجرأة على الفتوى محرمة شرعاً فإن الجرأة على صحة الناس بدون علم وعلى الجهل حرام شرعاً، وليت أن علماءنا ومشايخنا الكرام ينبهون على ذلك ليرتدع كل متطفل وليس مجتهدًا في فنه ويتوقف عن العبث بصحة الناس، وتقديم النصائح بل المذابح لهم، وأما من لهم مقاطع وتغريدات طبية ثابتة فيتم محاسبتهم نظامياً في المحاكم، ولا سيما من تضرر الناس بكتاباتهم وتدليسهم على الناس.