بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
دعت دراسة علمية نظام الأوقاف الإسلامية المعاصر إلى أن يقتبس من النظم التجارية، وأن ينص على تكوين احتياطي استثماري لكل وقف. ويتأتى ذلك عن طريق اشتراط الواقف تخصيص نسبة من العائدات الصافية، تُضاف لرأس مال الوقف.
وأشارت الدراسة البحثية المعنونة بـ "التوزيع الجغرافي للأوقاف الخيرية غير الحكومية وإسهامها في تأمين السكن في مدينة بريدة"، التي قام بإعدادها الدكتور/ أحمد بن محمد بن عبدالله الشبعان الأستاذ بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، إلى أنه ما زالت استثمارات هذه الأوقاف مقتصرة على العقار فحسب، وتتطلع الدراسة إلى أن تقوم الجمعيات الخيرية بتبني مستشفيات خيرية وقفية، أو جامعات؛ فالجانب الصحي والتعليمي من المتطلبات الأساسية، وقد تكون بمقابل للمقتدر لضمان استمراريتها. وأفضل مثال لنجاح هذه التجربة كليات سليمان الراجحي الطبية في محافظة البكيرية بالقصيم.
وكشفت الدراسة أن معظم مباني إدارات الجمعيات الخيرية تركزت في وسط المدينة، ويغلب عليها القِدَم؛ وهو ما يستوجب فتح مجال طرح مشاريع إزالة للقديم منها، وتشييد مبانٍ ذات أدوار متعددة أجدر في حل مشكلة السكن. كما أن تصدُّر نشاط تشييد الشقق والمحال التجارية في المرتبة الأولى بين بقية الاستثمارات في قوة دخلها يفتح المجال في أهمية الحاجة للتوسع في تشييد شقق التأجير، التي تلبي على الخصوص حاجة حديثي الزواج.
وأوضحت الدراسة إلى أن هناك ثمانية عشر من المواقع بمجموع مساحة تقديرية 70000م، وما زالت أراضي ولم تستثمر بعد، وتعود لسبع من الجمعيات. وترى الدراسة ضرورة التوسع في الاستفادة منها في تشييد المساكن عن طريق قروض صندوق الاستدامة التابع لمؤسسة الراجحي، كما يمكن تسويقها للأسر عن طريق القروض الحسنة، وأنه على الرغم من صدور قرار بأحقية تملك أي جمعية خيرية قطعة أرض بمقدار 5000 متر مربع إلا أنه لم يستفد من هذا القرار سوى جمعية واحدة؛ وعليه فإن هذه الدراسة ترى أهمية التوعية بشروط أحقية الحصول على هذا الحق؛ وهو ما يمكِّنها من التوسع في تأمين السكن.
وأكدت الدراسة وجود تأخُّر في استثمار الأراضي، وتقترح أن يكون له ممثلون لهم الحق في التصويت في مجالس الغرفة التجارية، أو المطالبة بحقوقه النظامية في مجالس البلديات، وأن قيام جمعية خيرية أهلية تحت مسمى (الخير الباقي) في بريدة معنية بالاستشارات في مجال الأوقاف خطوة مهمة، وتخدم في إرشاد الواقفين. ولعل بقية مناطق المملكة التي تفتقر إلى مثل هذه الجمعية تتخذ مثل هذه الخطوة في سبيل تطوير الأوقاف. مشيرة إلى وجود أوقاف خاصة بالوقف الذري (خاص بالأسر) وقفت حجر عثرة في تخطيط بعض الأحياء ببريدة نتيجة خلافات داخل الأسر. وترى هذه الدراسة تكوين لجان في المحاكم في سبيل إقناع أصحابها باستثمارها.
وأظهرت نتائج الدراسة أن التوزيع الجغرافي للجمعيات الخيرية وتوابعها يتركز في الأحياء القديمة؛ وذلك لزيادة تركز السكان فيها، وسهولة التواصل معهم لتوسطها في المدينة. ومن دراسة توزيع المباني الاستثمارية في المدينة يلاحظ أن أكثر من 75 % من مجموعها يقع في شمال بريدة؛ ومرجع هذا إلى أنها كانت أراضي، وأُقيمت عليها مشاريع الشقق السكنية والمحال لارتفاع دخولها مقارنة بجنوب بريدة.
كما توجد مبانٍ استثمارية وسط الأحياء القديمة، إلا أنها ذات دور فاعل من قبل خضوعها لإدارة تقوم على صيانتها، وتطبيق سبل السلامة فيها، بل إن بعضها يقطنه أسر فقيرة؛ وعليه فإنها أسهمت في توفير مساكن لشريحة من السكان، تعاني توفير السكن. كما سعت الجمعيات الخيرية في تأمين مقار لإداراتها، وممارسة دورها الخدمي والتعليمي في مبانٍ ملك لها دون دفع للإيجار في أحياء تحتاج إلى نوع محدد من الخدمة يصعب معها تأدية هذا الدور تحت ضغط المؤجر، وأن الدور النسائية تتوزع في 53 حيًّا شملت الأحياء الحديثة وحتى العشوائية؛ بل تعدت ذلك إلى الجيوب الريفية الداخلة في النطاق العمراني للمدينة ونتيجة للمعاناة في دفع أجور مبانيها كان هناك توجُّه لإنشاء مقارها وربطها بالجوامع عند تصميم وإقامة هذه الجوامع في أنحاء المدينة.
وبيَّنت الدراسة أن نشاط تشييد الشقق والمحال التجارية في المرتبة الأولى بين بقية الاستثمارات يحقق الاستثمار فيها دخلاً سنويًّا قُدّر بـ 32 مليون ريال بنسبة فاقت 10 % من قيمتها. ويتربع في الترتيب الثاني في العائد المادي من هذه الأوقاف نشاط الفنادق والشقق المفروشة بنسبة دخل 10 % تقريبًا من قيمتهما، وهما فندق موفنبيك وهو أحد معالم بريدة المعمارية الحديثة، وفندق شارز، وشقق واجان. والجميع مستثمرة من قِبل القطاع الخاص. كما يأتي في المقام الثالث في قوة الدخل المباني المؤجرة للدوائر الحكومية؛ إذ بلغ دخلها السنوي 4,650,000 ريال. ويعد وقف الهدى المؤجر لوزارة العدل التابع لمركز الجاليات وسط بريدة من بين أبرز المعالم العمرانية في بريدة من حيث الحداثة. أما في شمال بريدة فنجد مجمع كليات البنات المستثمر من قِبل جامعة القصيم. وتتراجع دخول تأجير الصالات والمستودعات إلى الترتيب الرابع والخامس على التوالي بين بقية الاستثمارات؛ وذلك لتراجع دخولها حسب الحراك التجاري بالمدينة. وكان سبب التوجه إليها - حسب إفادة المسؤولين - أن تكلفة إنشائها منخفضة ماليًّا، ولا تحتاج إلى زيادة جهد في إدارتها.
وكشفت الدراسة أنه من خلال الاطلاع على قوائم الأسر المحتاجة والمدعومة من قِبل هذه الجمعيات يتضح أنها تتكفل بدفع أجور السكن، وعلى هذا فدورها تنموي، يساند في تأمين سكن للمحتاجين.
إلى جانب ذلك، نجد أن دخول أوقاف هذه الجمعيات يساعد في ترميم بعض المنازل المتهالكة أو حتى دفع الإعانات الشهرية التي قد تمكّن بعض الأسر من شراء أرض أو منزل بالتقسيط، وهذا يسهل وتيرة قُدرة بعض الأسر على تملُّك مسكنهم، وأن هناك بعض الجمعيات الخيرية تقع خارج بريدة، وتقوم بالاستثمار في بريدة لنشاط السوق العقاري فيها مقارنة بدخول المحافظات التي تقع فيها تلك الجمعيات. فعلى سبيل المثال: تجارب الجمعيات الخيرية في كل من محافظتَي البكيرية والأسياح؛ فلها نشاط تأجير لبعض المساكن في بريدة. مشيرة إلى أن جمعية تحفيظ القرآن الكريم حققت بُعدًا اقتصاديًّا بعيد المدى؛ وذلك بتخصيص مبنى الفاروق، وهو أحد مبانيها الوقفية حسب اشتراط الواقف، يصرف في صيانة باقي المباني. وعلاوة على إسهام الجمعيات الخيرية في توفير سكن مطروح في السوق العقاري للتأجير فهي بهذا تشارك في حل مشكلة السكن، وفي الوقت نفسه نجد أنها تؤمِّن سكنًا لبعض الأسر الفقيرة، إلى جانب صيانة منازلهم، مع وجود معوقات تحول دون التمكن باستثمار الأراضي بالشكل المطلوب، منها: تأخر استثمارها بسبب موقعها النائي عن المخططات العمرانية، أو عدم معرفة الجمعية بصندوق الاستثمار الذي يمول مثل هذه المشاريع، أو إحجام بعض الموسرين بسبب الركود الاقتصادي الذي تمر به المملكة. ويضاف إلى ذلك طول إجراءات الحصول على فسوح البناء.
وأكدت الدراسة أن جميع هذه الجمعيات لم تصل لمرحلة الاكتفاء بدخول هذه الأوقاف لتغطية جميع برامجها إلا أنها - أي هذه القطاعات الخيرية - استمرت في تنفيذ برامجها الاجتماعية، والتوسع في مجال تنوع الاستثمار في الأوقاف، وأيضًا دورها الفعلي في المساهمة في تأمين السكن.
ودعا الباحث د. أحمد الشبعان نظار هذه الأوقاف إلى أن يستفيدوا من التجارب الغربية في نجاحاتها في تخطي التحديات التي تمر بأوقافها، وأن يستثمروا الفرص المتاحة في أنظمة الدولة التي يمكن أن تخدم في سبيل تطوير استثمارات هذه الأوقاف والتوسع في دخولها، وأن يتطلعوا إلى دراسة المستجدات في السوق العقارية، ورأي العلماء في استثمار المباح منها.
فعلى سبيل المثال: أجازت الشريعة تخصيص جزء من موارد الوقف في استثماره في أوجه متنوعة في السوق؛ وذلك لضمان التوسع في حجم وقدرة هذا الوقف. ويمكن الدخول بهذه النسبة إلى سوق الأسهم مثلاً؛ فالعوائد والأرباح الاستثمارية ضرورية لرفع حجم موجودات المؤسسة، ولضمان تغطية أوجه الإنفاق.
وشدَّد بالقول: إن إدارات الاستثمارات ينبغي لها أن تقوم بشكل احترافي، يلتقي مع أرقى أشكال الإدارة من حيث وضع الأهداف والمعايير والأولويات في الاستثمارات الحديثة لبيان الطرق الكفيلة بالرقابة، وقياس مدى كفاءة أدائها.