محمد آل الشيخ
أتت إلينا الأنباء القادمة من واشنطن تقول إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقع على وثيقة اعتراف الولايات المتحدة بسيادة دولة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وهي المرتفعات السورية التي تفصل إسرائيل عن سوريا. وهذا بالطبع سيشجع كثيرا من الدول الأخرى على السير في نفس المنوال، خاصة تلك الدول التي تنفذ فيها الجالية اليهودية. هذا الاعتراف هو بكل المقاييس انتصار تاريخي لإسرائيل، ولم يكن الإسرائيليون في الماضي يحلمون به؛ وهو من زاوية أخرى يأتي ضمن مسلسل الفرص الضائعة، التي دأب العرب على إضاعتها؛ فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي (رابين) عرض على الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك استعداده لأن يسلم مرتفعات الجولان لسوريا لقاء بعض التحفظات التي كانت مجرد نقاط مراقبة أمنية على الحدود بين البلدين لضمان أمن إسرائيل، إضافة إلى توقيع مذكرة سلام دائم بين الدولتين، وفتح سفارة لإسرائيل في دمشق، وسفارة لسوريا في تل أبيب. رسالة رابين هذه حملها الرئيس مبارك للرئيس حافظ الأسد، وطلب منه في حال الموافقة عليها أن تكون راعية هذه الاتفاقية الولايات المتحدة لإعطائها بُعدا دوليا قويا؛ غير أن الرئيس حافظ الأسد رفض العرض، ورفض هذه الفرصة الذهبية التي لا يجود بها التاريخ إلا قليلا. ثم اغتال الرئيس رابين أحد المتطرفين اليهود، وتبخرت الفرصة، وعاد التيار الإسرائيلي المتشدد إلى حكم إسرائيل، وبقي الوضع كما هو عليه، حتى انتهى قبل يومين بموافقة الرئيس ترامب على ضم مرتفعات الجولان السورية إلى سيادة الدولة العبرية، وهو الخبر الذي قدم لإسرائل هدية ثمينة لم تكن تحلم بها.
وأنا أعتقد، وقد كتبت عن ذلك كثيرا، أن بقاء الصراع السوري مع إسرائيل، هو سبب جوهري لبقاء كثير من الأنظمة العربية في سدة حكم بلدانها، ومن هذه الأنظمة النظام العلوي السوري، لذلك فلن يقبل لا الرئيس السلف ولا الرئيس الخلف بإنهاء النزاع مع إسرائيل، واستعادة الأراضي السورية المحتلة، لأن نهاية هذا الصراع يعني نهاية للنظام الحاكم في سوريا؛ أي بلغة أدق بقاء الاحتلال الإسرائلي للجولان، وإشغال السوريين بتحرير الأرض المحتلة، يعني في التحليل الأخير أن (مقاومة) المحتل ستبقى ورقة تبرر بقاء حكم العسكر في سوريا، وإذا عادت الجولان لسوريا فلن يعد ثمة ما يبرر بقاء الجيش السوري على أهبة الاستعداد للرد على العدو الإسرائيلي الغاصب، كما تقول أدبياتهم الثورية طوال العقود الماضية. من هنا يمكن القول إن تعمّد وإصرار بقاء الصراع بين سوريا وإسرائيل قائما هو بمثابة (الورقة) التي لن يفرطوا بها، لأن التفريط بها يعني حكما نهاية نظام الأسد ومعه نظام الأقلية العلوية المتنفذة في سوريا.
ولم يكن إدخال الإيرانيين في اللعبة مؤخرا، وإقامة ما يسمى حلف (مقاومة إسرائيل) إلا تكريس لهذا العداء وإبقائه مشتعلا بين الإسرائيليين والسوريين، فالقضية في النهاية لايمكن فصلها عن بعدها الطائفي، فدخول إيران إلى حلبة الصراع من شأنه أن يكرس إلغاء أي صلح مع إسرائيل، وهو ما يريده بشار الأسد، لأنه بالنسبة له ولنظامه مسألة تتعلق بوجوده ووجود طائفته على رأس النظام هناك.
ومن تابع حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل أن يوقع على وثيفة اعترافه بضم الجولان لإسرائيل، يجد أنه وضع من أسباب قبوله بضم الجولان الخطر الإيراني الذي أضحى متاخما لدولة إسرائيل.
وغني عن القول إن الإيرانيين يعتبرون أي سلام بين العرب وإسرائيل سيسحب من تحت أقدامهم أهم الأوراق التي يوظفونها لخدمة أهداف توسعهم في المنطقة. لذلك فإنني على قناعة تزداد مع مرور الوقت أن السلام العربي الإسرائيلي لن تتركه إيران يتحقق مهما كان الثمن، لأنه نهاية أكيدة لطموحاتها التوسعية في المنطقة.
إلى اللقاء