د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تونس الخضراء البلدة العربية العزيزة، مدينة الثقافة والعراقة في الحضارات المتعاقبة، كانت وما زالت تحمل الكثير من الآمال، وهي الزاخرة بعدد من المثقفين، والمتخصصين لا سيما في مجال القانون، وغيره من العلوم الإِنسانية والطبيعية.
في عام 821م مرّ حسن الوزان باسمه العربي، أو ليون الإفريقي كما سماه البابا العاشر، المثقف والمشارك بدرجة عالية في عصر النهضة الأوروبية والعالمية.
مرَّ حسن الوزان بمدينة تونس، وقد يكون من المناسب نقل بعض ما قاله عنها، من وجهة نظره، وما سطره عن تاريخها القديم، وهو ما يكاد يتطابق مع معظم ما ورد في الكتب القديمة والحديثة.
ذكر الحسن الوزان أن هذه المدينة، وسماها اللاتينيون مدينة تونيوتوم، ويسميها العرب تونس، واسم تونس ليس له مدلول في اللغة العربية، وإنما هو تحريف لكلمة أخرى، حسب رأيه، وكانت تدعى في غابر الأزمان ترسيس، وهو بهذا يشير إلى مدينة طرطروس في سوريا، أو ترتشيش المذكورة في التوراة، التي قد تكون منطقة وليًا، أو اشبيليا بإسبانيا.
يذكر الوزان أنها كانت في بداية أمرها مدينة صغيرة، من تأسيس سكانها الأصليين، وعندما تم تخريب قرطاج في سالف الدهر، بدأت مدينة تونس في النمو سواء في عدد السكان، أو عدد المنازل، فالجنود الذين احتلوا قرطاج أبو الإقامة بها خشية وصول مدد آخر من أوروبا، فسكنوا في تونس وبنوا بها دورًا، وهكذا بدأت مدينة تونس تتوسع ويكون لها شأن في تلك الفترة من التاريخ.
عندما بدأ الفتح الإسلامي قدم عقبة بن نافع بجيش كبير، لكنه بحنكته ودرايته بالحروب، أمر جنده ألاّ يقيموا في مدنية أو منطقة قرب الشاطئ، ولهذا بنى المدينة المسماة القيروان البعيدة إلى حد ما عن البحر، والتي تبعد عن تونس مائة ميل، فما كان من سكان تونس إلاّ أن عادوا إليها.
بعد ثلاثمائة وخمسين سنة، دمر الأعراب المحيطون بالقيروان تلك المدينة الزاهرة بالعلم، إثر ثورة على والي إفريقيا الذي تركه بها الخليفة القائم بالله، حتى إن هذا الوالي فر اتجاه الغرب وحكم مدينة بجايه وجميع البلاد المحيطة بها.
وهناك من يقول إن اسم تونس، فينيقي الأصل، ورد بين القرى التي كانت موجودة في عصر القرطاجية، ثم في عصر الرومانيين والبيزنطيين، إلاّ أنه لم يكن لها نصيب مؤثر في تاريخ البلاد، إلاّ أن جاء القائد حسان بن النعمان عام 69هـ، وحاصر قرطاجة، واتخذ مدينة تونس قاعدة لعسكره، وبعد أن تم تسلم قرطاجة أنف أن يعيد لها العظمة القديمة متخذًا بدلها تونس، فعمرها وبنى لها جامع الزيتونة، وحفر خليجًا متسعًا يصل إلى بحيرتها في البحر.
بعد مرور عشرات السنين قدم المرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين إلى مدينة بجايه، وأقر أمراء تونس على مناصبهم، لما رأى من طاعة حكامها له، لكنّ حاكمًا آخر مر بتونس، وعزل حكامها.
وعاشت آمنة مطمئنة في فترة حكم عبدالمؤمن، وأبيه يوسف، وحفيده يعقوب المنصور، ولما مات المنصور شن ابنه حربًا على الإسبان لكنه هزم في معركة العقاب، فقدم الإسبان إلى تونس وحاصروها، وعاد الأعراب إلى سكن ولاية تونس أثناء هزيمة الناصر، وموت أخيه يوسف، وحاصروا مرارًا حاكم تونس، وقد أرسل إلى حاكم مراكش، فأرسل إلى ملك مراكش يخبره أنه سوف يضطر على تسليم المدينة إلى الأعراب إن لم يصله المدد عاجلاً.
أرسل حاكم مراكش رجلاً حكيمًا من قبله إلى تونس، فلما وصل وجد أن الأعراب قد دمروا نصفها، وبحنكته ودرايته استطاع أن يرتب الأمر ويدخل المدينة ويصلح حالها.
أقف عند هذا الحد من تاريخ مدينة تونس كما يرويه الحسن، وستبقى تونس منارة علم كما كانت عبر التاريخ، ويكفيها جامعة الزيتونة العريقة التي حفظت الكثير من التاريخ العربي.