زكية إبراهيم الحجي
في أي مجتمع سليم ومستقر يُنظر إلى الطفل كطاقة تنبض بالحيوية والنشاط.. فهو متعة الحاضر وأمل المستقبل الباسم، والطفل الذي ينمو في مجتمع كهذا ويحصل على تربية شبه متكاملة تقريباً.. فهذا يعني تأكيداً على تنشئة شخصية تتميز مستقبلاً بنضج واعتداد بالنفس وثقة كبيرة.. ولما كان الأبوان هما مدخل الطفل إلى المجتمع فإنهما يصوغان البنية الأساس لشخصية إنسان المستقبل، ليأتي بعد ذلك دور البيئة التعليمية وتشارك الأسرة في تعزيز ما قامت وتقوم به تجاه الطفل.
يقول عالم النفس السويسري ورائد المدرسة البنائية في علم النفس «جون بياجي» إن الهدف الأساسي من التربية.. هو تنشئة رجال قادرين على صنع أشياء جديدة ولا يقومون فقط بتكرار ما صنعته الأجيال السابقة.. رجال قادرين مبدعين مبتكرين ومكتشفين.
ومما لا شك فيه أن هذا النوع من الرجال الذي ذكره «جون بياجي» يحتاج إلى تربية من نوع خاص.. ألا وهي التربية الإبداعية، فمثلما توجد تربية رياضية وتربية أخلاقية وتربية فنية، فهناك تربية إبداعية هدفها خلق أفراد مبدعين من خلال الكشف عن الطاقات الإبداعية المدفونة والعمل على تنميتها. وهذه التربية توجه اهتمامها وأساليبها وأنشطتها إلى الإبداع.
إن تطوير قدرات الإبداع لدى الطفل لا تنفصل عن العملية الشاملة للتنشئة الثقافية والاجتماعية في أي مجتمع.. والسنوات الأولى من عمر الطفل هي بمنزلة العتبة الأولى لإبراز ملكة الإبداع التي يمتلكها، حيث لديه الميل الفطري للاكتشاف والاستقصاء والسؤال من بداية مرحلة الطفولة.. ولكن ما يؤسف له أن بعض الآباء والأمهات يُصاب بالتذمر والقلق من كثرة أسئلة الطفل المتكررة.. وبدل أن تكون بيئته الأسرية بيئة مساندة تساعده وتعمل على الكشف عن طاقاته الإبداعية وترعاها، فإنها تكون بيئة غير مساندة بل محبطة وتعمل على تجاهل طاقات الطفل وقدراته. وهنا تنشأ أولى الحواجز التي تحول بين الطفل والإبداع، فإذا ما بدأ المرحلة الدراسية وواجه بيئة مدرسية تغفل قدرة الطفل الإبداعية أو أثرها قليل ومحدود في تنمية التفكير والقدرة الإبداعية لديه والاعتماد على تدريس تقليدي الذي يجعل الطفل يمتص المعارف كما يمتص الإسفنج الماء دون مشاركة عملية مما يعوق النشاط الإبداعي ويعطل تطور التفكير بدلاً من اكساب مهارات البحث والتقصي والابتكار مما يجعل الطفل على جهل تام بالصيغ العلمية والمعرفية عند تناول الأمور.
الطفولة لا يمكن لها أن تتطور إبداعياً وتصنع مستقبلاً زاهراً خارج فضاء التربية التعليمية السليمة المواكبة لثورة التكنولوجيا.. والإبداع لا يتكون من تلقين معارف إنما يتأتى من اكتشافه أولاً في مرحلة الطفولة ثم العمل على تنميته وتشجيع المبدعين وتوفير الشروط التي تجعل منه إبداعاً يرقى بصاحبه وبالمجتمع.