د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
تدرك دول العالم كافة أهمية بناء نظامها الدبلوماسي الوطني، كما تدرك أنها كلما سعت إلى بناء هذا النظام على أسس ودعائم قوية كان ذلك في مصلحتها، وسبيلاً لقوتها، وضمانًا لأمنها. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل إنه كلما زادت قوة النظام الدبلوماسي الوطني للدولة زادت قوته، وزادت إمكانيات تأثير الدولة في مجالاتها الحيوية التي تتفاعل معها، وتتحرك دبلوماسيًّا وسياسيًّا داخلها وفي إطارها، وتعاظم نفوذها في محيطها، بل تزايد تأثيرها في النظم الإقليمية والعالمية، وإدارة تحركها في البيئة السياسية العالمية.
لقد واجهت الدبلوماسية التقليدية خلال العقود الثلاثة الأخيرة تحديات عدة، أبرزها ظهور عوامل جديدة في تفعيل العلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول.. فلقد ظلت الدبلوماسية عملاً «مهنيًّا»، يقتصر على أصحابه والمشتغلين به، ويقوم على طابع «السرية» التي يمارسها دبلوماسيون محترفون ومهنيون مؤهلون، يتركز أداؤهم على العلاقات الثنائية بين دولهم ودول أخرى يسعون إلى كسب صداقتها، وتطوير علاقة دولهم بها، وكسب ود شعوبها.
ومع ظهور وسائل وأدوات «الاتصال»، وثورة تكنولوجيا المعلوماتية، وما أحدثته من تغيرات متلاحقة وسريعة في مجال الاتصال، وقدرتها على ربط العالم دولاً وشعوبًا وحكومات، حتى لم يعد العالم - كما قيل في منتصف سبعينيات القرن العشرين - «قرية صغيرة»، بل أصبح «غرفة واحدة»، يشاهد فيها سكان العالم بعضهم بعضًا، ويعرفون في اللحظة ما يحدث في أي شبر على وجه الكرة الأرضية.. فقد أصبح تشكيل العلاقات طويلة المدى بين المملكة والمجتمع الدولي في حاجة إلى فهم لمتطلبات ودوافع وحاجات الأداء الذي يتم في نسق واعٍ ومنظَّم، ومن خلال عمليات واعية ومنظمة، توظف جهود «المواطنين»، إضافة إلى مبادراتهم «الفردية» و»الإبداعية»، وجهودهم «الابتكارية» في استخدام وسائل الاتصال وأنواعه، وتسخير كل ذلك في بناء صور «ذهنية images» جديدة لما يحدث في المملكة، وتوظيف هذه الصور الجديدة في نشر ثقافة المملكة، وقيمها، وإبراز التجليات المختلفة لقوتها الناعمة، والتأثير على صناعة توجهات جديدة «حقيقية»، وتصويب اتجاهات الرأي العام إقليميًّا وعالميًّا فيما يتعلق بكل ما تم ترسيخه في الأذهان من قِبل الجهات الكارهة أو المعادية للمملكة.
ولمزيد من المقاربة، لعله يكون من المهم أن نشير إلى أن الأكثر انتشارًا في هذا الإطار هو مفهوم «الدبلوماسية الشعبية» التي تعني اتصال مواطنين أفراد بمواطنين من دول أخرى. وهنا تبرز أهمية القيام بجهود فردية، تخدم مصالح الدولة؛ إذ يشمل ذلك نطاقًا واسعًا من الأنشطة التي يستطيع الأفراد القيام بها لتوثيق الروابط مع الأفراد والجماعات والمنظمات داخل المجتمع المستهدف تحقيقًا لأهداف الدبلوماسية «الرسمية».
وفيما يخص المملكة فإنه يستطيع القيام بهذا الدور - على سبيل المثال - أفراد من المجتمع السعودي عبر التواصل مع عشرات الآلاف من أقرانهم الأفراد في المجتمعات الأخرى، إضافة إلى الجماعات والمنظمات.. وإن شئنا بلغة وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت ومواقع الـ»سوشيال ميديا social media « و»القروبات» groups التي تتفاعل مع غيرها من «القروبات» على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترنت، وتتبادل المعلومات والآراء والخبرات والتجارب.
إن «دبلوماسية المواطن» citizen diplomacy تفرض تطوير مستوى الوعي والثقافة لدى المواطن السعودي، كما تعني أنه لا بد من التأهيل العلمي والمهني لعدد كبير من المواطنين السعوديين، خاصة أولئك الذين يمتلكون مهارات وتخصصات علمية وإنسانية للقيام بوظائف الدبلوماسية الشعبية؛ إذ يشكل هؤلاء جزءًا مهمًّا من «رأس المال الاجتماعي» للدولة؛ ويمكن أن يساهموا بشكل كبير في زيادة قوتها الناعمة، وبناء وتشكيل صورتها الذهنية، وعلاقاتها طويلة المدى مع مختلف شعوب العالم.
ويرى ذوو الاختصاص أن إقامة علاقات دائمة مع الشعوب عن طريق التفاعل عبر وسائل وشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي تؤدي بشكل أو بآخر إلى نوع من التنمية على صعيد «الاقتصاد الإبداعي «creative economy؛ وهو ما يعني أنه ينبغي على الدولة أن تستخدم «ثروتها البشرية» في عملية التفاعل مع الجمهور الخارجي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت؛ لتتمكن من نقل ثقافتها إلى هذا الجمهور، وزيادة قوتها الناعمة.
ونختم بالقول بأن:
- تقوية النظام الدبلوماسي الوطني باستخدام كل الفرص والأدوات والآليات والإمكانات المتاحة في بيئة «الدبلوماسية الإلكترونية والرقمية» بات أمرًا حتميًّا لزيادة إمكانات تأثير المملكة في النظم الإقليمية والعالمية، وتمكين الدولة من إدارة حضورها الفاعل والمؤثر في البيئة السياسية الدولية، وذلك من خلال التأسيس لشبكة من «قادة الرأي» من المواطنين السعوديين، يقومون بنقل الرسائل المطلوبة على وسائل التواصل الاجتماعي.
- إن قوة أي نظام أو منظومة دبلوماسية في أي دولة هي محصلة مجموعة عوامل ومؤثرات، تحدد مدى قوة هذا النظام أو المنظومة. وقد تتفق هذه العوامل والمؤثرات أو تختلف من دولة إلى أخرى إلا أنها تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مدى قوة نظامها الدبلوماسي الوطني.