د. حمزة السالم
يشتكي الطلبة من الاقتصاد، وما من صعوبة فيه، فهو دراسة منطقية لسلوك الإِنسان والمجتمعات في السوق. وإنما تأتي الصعوبة من التصورات الخاطئة المسبقة في ذهن المتلقي الذي يأول الكلام ويفهمه على تصوره المسبق لا على ما يسمعه أو يقرأه.
حرية السوق التي تمثلها حرية الأسعار وحرية المنافسة، متى تحققت، توفرت السلع بسعر التكلفة فلا ربحٌ ظالم لتاجر ولا إسراف من مستهلك بسبب تقديم سلعة له لا يقدر ثمنها، (وقيمة توفر النقد وقيمة جهد المدير والعامل من التكلفة، فلا يُستنكر قولي -توفر السلع بسعر التكلفة-). وبهذا التساوي، يتم استغلال الموارد الاقتصادية المحدودة أمثل استغلال، وذلك لحرص المتنافسين على كفاءة الإنتاج بأقل تكلفة.
ومبدأ حرية السوق، مبدأ معروف من قديم، وقد أمر عليه السلام به حين رفض التدخل في السوق، فرفض التسعير، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن المسعر هو الله». كما أمر بتحقيق المنافسة، فحرم عليه السلام تلقي الركبان. وحسب سنة الله الكونية في السوق، فإن السعر العادل هو سعر التكلفة، وبه تتحقق حرية السوق.
ولذا منعت الرأسمالية التدخل الحكومي وقصرت عمل الحكومة على فرض تحقيق المنافسة العادلة، ومنع التدخل في الأسعار من أي طرف وفرض الأنظمة لضمان ذلك.
فالسوق تحكمه الأسعار، والأسعار تحكمها الكلفة. فكل زيادة مصطنعة في الكلفة يمكن للدولة منعها فيجب أن تمنعها، كمنع الاحتكار والامتيازات والضرائب، وهذه كلها من الأوامر النبوية.
وقد أمر الإسلام بالعدل مع الغني والفقير، وكذلك فعلت الرأسمالية، فمنعت كل تخفيض مصطنع للكلفة. فالتخفيض لن يكون مجانًا، بل على حساب طرف من أطراف المجتمع، ليسرف طرف آخر بحصوله على مورد اقتصادي لا يقدر ثمنه. فلم تنحز الرأسمالية للتجار ولا للحكومات ولا للشعب، بل لما يحقق المثالية الاستغلالية للموارد الاقتصادية، وبهذا يتحقق تعظيم اقتصاد المجتمع كله.
ولهذا كذلك، منعت الرأسمالية الإعانات الإسرافية، وأقرّت الإعانات التي تعظّم الإنتاج وبالتالي الأرباح. فالأرباح هي مصدر السلطة الثاني للرأسمالية في تحقيق السعر العادل. فالحكومة لا تقدر وحدها على مراقبة الشفافية المعلوماتية اللازمة لتحقيق السعر العادل، بل فطرة الإِنسان لحب تحصيل الخير والمنفعة، تدفعه للاجتهاد والصدق في ظل العدالة، كما أن تحصيل الأرباح تدفعه للظلم والكذب والغش في غياب العدالة.
وسعر التكلفة لا يقتصر على المواد فقط، بل على المجهود الإِنساني، فكل منافس يستطيع الإبداع والإنتاج بفعالية أكبر، سيستطيع أن ينتج بكلفة أقل من كلفة السوق، وهذه يُعدها المالك المنتج أرباحًا، بينما تعدها الرأسمالية من الكلفة. فأجر المنتج المبدع المجتهد ليس كأجر البليد، لأن الأول يحقق استغلالاً أفضل لموارد المجتمع، فيسهم في رفع الإنتاجية وتعظيم الإنتاج. وهذه من سنة الله في خلق السوق، فحفظ الحقوق التنافسية من أجل استخراج الطاقة واستفراغ الجهد، هي من الحقوق التي حفظها الإسلام حتى في الجهاد، فقرر أن من قتل قتيلاً فله سلبه.