عبدالعزيز السماري
منذ إعلان دولة إسرائيل على الأراضي العربية عام 1948 والدول العربية بالرغم من خلافاتها تطرق أبواب الجميع من أجل حل عادل لمأساة شعب محتل ومشرد؛ فالقضية إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، مهما حاول البعض التنكر لها، أو الهروب من آثارها المؤلمة على عقول الأجيال الماضية وأجيال الحاضر والمستقبل..
لكنهم أدركوا مبكرًا أن الحرب من أجل القضية تعني مواجهة القوى العالمية. وبالرغم من عدالة القضية لم يتغير الموقف الغربي ممثلاً في البيت الأبيض عن موقف التأييد المطلق لاحتلال الأراضي الفلسطينية، وتهجير سكانها. وربما تكشف هذه المأساة وحجمها فشل القيم الإنسانية وقيم الحداثة بمختلف مصادرها في مقاومة العقائد الدينية؛ فإسرائيل منذ البدء كانت مشروعًا مسيحيًّا إنجيليًّا، والصهيونية فكرة مسيحية خالصة، ولم تكن في يوم من الأيام عقيدة يهودية؛ فالمسيح - حسب إيمانهم - لم يُبعث بعد.
التأييد السياسي للصهيونية المسيحية، والمطلق لدعم دولة إسرائيل، يتسبب في إزعاج واضح، خاصة بين الليبراليين اليهود؛ وذلك خشية من الدوافع الدينية الخفية لهم. وحاول عدد قليل جدًّا منهم اختراق العالم الإنجيلي أو فهمه؛ وذلك لمعرفة لماذا التأييد الأعمى للوجود اليهودي، وتوسعه في فلسطين وما حولها، وكان آخرها الاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل، وما أحدثه من استغراب دولي ويهودي أيضًا..
تقوم عقيدة الصهيونية المسيحية على حقيقة جوهرها الإيمان بعهد الله الأبدي مع أمة إسرائيل. وعندما سُئل القادة الإنجيليون في استطلاع عام 2011 عما إذا كان عهد الله مع الشعب اليهودي مستمرًّا حتى اليوم أجاب 73 % من القادة الإنجيليين في العالم، بمن فيهم 67 % من الأمريكيين، بإيجابية، ويؤمنون أن الموضوع الرئيسي في الكتاب المقدس هو حب الله الدائم لشعبه وإخلاصه بغض النظر عن عدد مرات خيبة أمله فيهم.
باختصار، يحب الإنجيليون إسرائيل؛ لأن الله -حسب عقيدتهم - يحب إسرائيل. وهناك أيضًا طريقة أخرى لتبرير العلاقة الدينية بالنسبة للإنجيليين: فإن أخطاء إسرائيل تمثل أخطاءهم كأفراد ناقصين، ويحتاجون إلى نعمة الله، ويشعرون بالارتياح لحقيقة أن الله لا يزال مخلصًا لإسرائيل؛ وهو ما يعني أن الله لا يزال مخلصًا لهم.
كذلك يشعر الإنجيليون بإحساس قوي بالحماية تجاه دولة إسرائيل، ويشعرون بعلاقة ثقافية عميقة مع الشعب اليهودي، وأنهم أقرب إلى الثقافة اليهودية من الفروع المسيحية الأخرى؛ فالكتاب المقدس يحتفل بأبوة إبراهيم ونبوة إسحاق، وأن اليهود الحاليين أحفاد شعب الله المختار، وأن اليهود وأنبياء بني إسرائيل هم محور الكتب المقدسة؛ فالدين نزل على إبراهيم عليه السلام، وأن الله أعطاهم الأرض بغض النظر عن سكانها الأولين.
الأهم من ذلك أنهم يعتقدون أن الله «سوف يبارك أولئك الذين يباركون» أبناء إبراهيم، و«يلعن أولئك الذين يلعنونهم». والكثير من الإنجيليين يمتنعون عن انتقاد اليهود أو دولة إسرائيل خوفًا من الوقوع في معصية الله، ويروجون لفكرة محورها أن أعداء الشعب اليهودي التاريخي يلقون حتفهم ويختفون؛ ولذلك يؤمن العديد من الإنجيليين بأن الرخاء الأمريكي مرتبط مباشرة بمعاملة أمريكا الحميدة لليهود، والدعم القوي لإسرائيل، كما أن هناك اعتقادًا شائعًا في الكنائس الإنجيلية بشيء مثل: «أمريكا ستكون على ما يرام طالما أننا لا نعارض اليهود».
لذلك كان ارتفاع نبرة الخطاب الديني، سواء الإسلامي أو الإنجيلي، يصب في مصلحة إسرائيل، وبنو إسرائيل يمثلون جوهر الدين في مختلف الكتب المقدسة مهما حوت من اختلافات في الموقف منهم، وهم يستشهدون بالكتب من أجل تبرير احتلالهم الأرض العربية؛ ولهذا كان أهم انتصار للعرب على الدولة الدينية في عام 1973، فالقضية يجب أن تكون إنسانية وقانونية، وتقوم على حق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه، وأن الدين لا يمكن أن يكون مرجعية أممية للقانون الدولي، وأن الله -عز وجل- أعطى شعبًا أرض غيره، ثم أمر بإبادة سكانه الأوائل.