رمضان جريدي العنزي
من المهازل الكبرى أن ينبري بعض المداحون لتصوير الممدوح وكأنه العطاء كله، والجود كله، والكرم كله، وأنه يفوق الناس كلهم علوًا وشأناً، وله مميزات وامتيازات وصفات ومناقب لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن حصرها، لمجرد الحصول على حفنة من مال صغيرة أهدر المادح ماء وجه ودمه من أجلها لا من أجل حقيقة صاحبها، ومن القبيح أن يستسيغ الممدوح كلام المادح وهو يعرف سلفاً بأن كل ما قيل فيه ليس فيه، في الآونة الأخيرة أنبرى البعض للتسابق نحو أصحاب المال يعزفون ويدندنون على وتر التسول منه ملقين عليه أسماء وألقابًا وصفات لم نسمع لها من قبل، ليس للحقيقة فحسب، بل للوصول للغاية والهدف لإشباع نهم الطمع والكسب والتكسب على حساب المبادئ والقيم والأخلاق والأعراف الإنسانية والاجتماعية، أن المدح الأعمى لكل صاحب مال أياً كان، أصبح «فيروس» الوقت، وأكثر المصابين به هم من يحبون المال حباً جماً، ويأكلون التراث أكلاً لماً، دون تريث أو هوادة أو انتقاء، لو كل ممدوح لديه «آلة إكتشاف الكذب» لمعرفة الأقوال الكاذبة في حقه من قبل المادح، لصدم من هول الكلام السخيف، والهراء الباهت، أن المدح الكاذب ريف الخيانة، وصنو التزوير، وغش واحتيال، وضحك على الذقون، واستخفاف بالممدوح، وسباحة في بحر المصالح والمنافع، بعيداً عن الواقع والحقيقة، أن المدح الكاذب عملية هدم، لا عملية بناء، إنه كذب ممزوج بالتزوير المر، وخلل بائن غير مصطنع في نفسية ناهمة، لقد أصبح للمدح شلل يتناخون على المدح، يصولون ويجولون، يتبارون فيما بينهم، ويتلاعبون بالألفاظ، وصولاً لتحقيق مصالحهم ومآربهم، أن «تزيين» الناس ورفعهم إلى مقامات عليا، من غير وجه حق، يعد تجاوزاً على الحقيقة والحال والواقع، أن بعض المادحين الذين يمدحون على «الريحة» يعدون من أبالسة الأنس، يخلطون السم بالعسل، ويشوهون الحقائق، ويواصلون مساعيهم غير المحمومة، تزييفا وتحريفاً وتخريفًا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أن الانحدار في بيع الضمير بثمن بخس في بازار البهت عملية غير مشوقة، وليس فيها بهاء، ونتيجته مؤكدة لخسران مبين، أن شيوع المدح الذي في غير شخصه وأهله وحقه، يدحرج صاحبه إلى السفح، ويعرضه لألوان من الانتقادات المزعجة والمتعبة، إن كل إنسان عاقل فاهم وواعٍ، يعرف المنطق ويعيش الواقع، يرفض رفضاً تاماً كل مدح ممزوج بالنفاق والمصلحة العابرة، لأنه يؤدي مباشرة لعسر الهضم والفكر، ووجع القلب، ويصيب الرس بالصداع، والنفس بالشجى والشجن، ويراكم الغيوم حد الضيق، ويثقل الخطى أثناء المسير، علينا أن ننبري لهؤلاء الشلة الثلة ممن يستهوون المدح ويتسابقون نحوه بلا رادع أو عائق أو مصد، دون أن تأخذنا بهم هوادة، وعلينا أن نتعامل معهم كلصوص يمتهنون الفعل الحرام.