عبدالوهاب الفايز
منتدى منطقة مكة المكرمة الاقتصادي استمر في نسخته الجديدة هذا العام، والأمير خالد الفيصل يريده منتدى للبناء و(الأقوال التي تتحول إلى أفعال)، يريد المنتدى مجالاً للحوار الموضوعي الصريح الشفاف الذي يضع المصلحة العليا هي الغاية، ومعه حق في هذا الهدف، ومن روح هذا المنتدى، ومن منطلق (الانشغال بما ينفعنا)، نتحدث في تطلعات وهموم العاصمة المقدسة.
هذا العام تناول المنتدى أمراً يهمنا ويهم العالم الإسلامي وهو تنمية الاستثمارات في مكة لكي تكون مدينة حيوية في تقديم كل التسهيلات التي يحتاجها الحجاج والمعتمرون، وهذا هو الهدف الأسمى الذي نتطلع إليه، وننفق عليه مئات المليارات من الريالات لكي تكون البنية الأساسية في مكة قادرة على استيعاب الإقبال الكبير المتنامي على زيارة الأماكن المقدسة من جميع المسلمين.
مع تطور حركة النقل العالمية وتوسع قدرتها الاستيعابية نتيجة لتقدم خدمات وتسهيلات النقل الرقمية في السنوات الماضية، وأيضاً مع تطور صناعة المؤتمرات والمناسبات أصبح لدينا فرصة لأن نعظم الفائدة من الاستثمارات التي وضعناها ومازلنا نخصصها للأماكن المقدسة. والفائدة الأولى من النقلة الجديدة هي للمسلمين في العالم، بالذات من (النخبة المؤثرة) من الخبراء والمختصين والمحترفين ورجال الأعمال الذين يعبرون أجواءنا كل يوم بمئات الآلاف. أجزم أن نسبة من هؤلاء يتطلعون إلى التوقف في جدة أو المدينة للزيارة والعمرة.
الاستثمارات التي بنتها الحكومة، أو التي قام بها القطاع الخاص وهي بمبالغ ضخمة، سوف تكون (عبئاً تشغيلياً) و(فرصة استثمارية مهدرة) إذا لم يكن هناك تطور نوعي في مسارين. الأول في مجال الإجراءات والتسهيلات التي يحصل عليها راغبو الزيارة والعمرة بالذات لهذه الشرائح من المهنيين والمحترفين من المسلمين، أبناء الطبقة الوسطى الذين تطورت أوضاعهم المالية وأصبحوا قيادات وقوى بشرية مؤثرة في مجالات عديدة، ومن مصلحتنا السياسية استقطابهم أيضاً فهم (القوة الناعمة لنا وللإسلام).
هؤلاء أوقاتهم وجداول أعمالهم مزحومة طوال العام، وليس لديهم الوقت للسعي خلف الحصول على تأشيرة الزيارة، والانتظار للحصول عليها. هؤلاء يتوقفون بالآلاف في المطارات القريبة منا ثم يواصلون رحلاتهم بين الجهات الأربع. بيدنا فرصة لجذب هؤلاء إلى الأماكن المقدسة، ولن يترددوا في الزيارة إذا تسنى لهم الحصول السريع المباشر على تأشيرات العمرة لبضعة أيّام.
في المسار الثاني الذي تحتاجه العاصمة المقدسة، لتسريع الاستثمارات النوعية التي تغير واقعها وترفع من اقتصادياتها وجودة الحياة فيها هو: ضرورة مواصلة التوسعة الكبرى للحرم.. لا نعرف ما هي العوائق الفنية أمام استمرار مشروع التوسعة رغم إقرار الاعتمادات المالية. بقاء التوسعة متوقفة يترك أثره المعنوي على روح الاستثمار، ويوجد حالة التخوف لرؤوس الأموال، ونحن نحتاج إلى المستثمرين كشركة جبل عمر لتنمية قطاع الفنادق والإيواء، والتوسع بالمشروعات النوعية حتى نرفع جودة الخدمة في قطاع الفنادق. عدم إكمال التوسعة لا يخدم صورتنا أمام العالم، فهناك المتربصون المجتهدون للإساءة لنا.
أيضاً نحتاج التسريع بالتوجه إلى معالجة التشوهات البصرية العمرانية، والأهم ضرورة (رفع كفاءة إدارة الحركة في منطقة الحرم). مؤسف بحقنا أن لا نرى (إشارة واحدة للمشاة) حول الحرم، ولا نرى المسارات المخصصة للمشاة، كحال المدن المكتظة بالناس، نريد البيئة صديقة للمعاقين والمسنين، ونريد إبعاد حركة السيارات عن المشاة. أيضاً نتمنى اختفاء المفاوضات على السعر بين الركاب وسيارات النقل العام في وسط الشوارع.. من المستفيد من هذه الفوضى؟.. لماذا لا تكون هناك أماكن مخصصة لسيارات الأجرة، وتكون تحت إدارة وإشراف شركات متخصصة تنظم الإركاب، والمفاوضات على الأسعار يفترض أن نقضي عليها تماماً وبدون تساهل.
فِي تصوري، وعلى المدى البعيد، ضرورة البدء في إعلان قطاع نقل الركاب في مكة والمدينة (قطاع سيادي)، أي تحكمه اعتبارات المصلحة العامة العليا لبلادنا عبر تحويل نقل الأفراد إلى (شركات متخصصة محترفة) تطبق أعلى معايير السلامة والجودة في خدمة العملاء، ومن الضروري أن تؤسس الحكومة مثل الشركات بالشراكة مع المستثمرين المحليين، ثم تتيح الفرصة للأفراد لأن يعملوا تحت مظلتها.
في مكة.. وبعد كل الإنجازات الكبيرة والتعب والجهد الذي نبذله، نتوقف عن إكمال النهايات البسيطة الضرورية لإبراز الإنجاز، وهنا أتذكر قول المتنبي:
(ولم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً
كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ).