تُعدّ ظاهرة التسوّل ظَاهرةً عالميّةً لا تختصُّ بوطنٍ بعينه، بل هي مُنتشرةٌ في كلّ بُلدان العالم الفقيرة والغنيّة، ويُعرَّفُ التّسوّل بأنّه طَلبُ الإنسانِ المالَ من الأشخاص في الطُّرق العامة، عبر استِخدام عدّة وَسائل لاستثارة شَفَقة الناس وَعطفهم. ويُعدّ أحدَ أبرز الأمراض الاجتماعية المُنتشرة الذي لا يخلو منها مُجتمع حول العالم.
شهدت ظاهرة التسوّل في السعودية تزايداً كبيراً في الآونة الأخيرة، مما لفت الانتباه إليها وتناولتها وسائل الإعلام بطرق شتى وتعود هذه الظاهرة إلى عدة أسباب، لعل أبرزها تزايد المتسلّلين عبر الحدود وتخلّفهم بعد أداء مناسك الحج والعمرة، وهروب العديد من العمالة وامتهانها التسوّل، ومن أهم عوامل تفاقم تلك المشكلة هو تعاطف أفراد المجتمع وعدم ردعهم للمتسوّلين وإبلاغ السلطات عن تلك التجاوزات، حيث إن ظاهرة التسوّل تخلف عدداً من الآثار الاجتماعية، الاقتصادية والأمنية منها انتشار النصب والاحتيال، السرقة، والمخدرات.
تتعدد وسائل التسوّل وصوره، وأشكال القائمين عليه بحسب التطور العصري للمتسوّل الذي يبتغي في نهاية الطريق استعطاف قلب البعض والحصول على ما في جيوبهم، حتى إن منهم من أصبح يستخدم أدوات تكنولوجية حديثة خلال التسوّل، ويعتمد البعض الآخر على مشاهد تمثيلية قد تنحى بعيداً عن التسوّل ولكنها أصبحت طريقة حديثة للنصب على البسطاء من المواطنين، كأن يدّعي أحدهم فقد محفظته أو سرقة ماله ويريد الذهاب للبيت ولا يجد مالاً يسافر به، وتكثر ظاهرة التسوّل خلال شهر رمضان وهو ما يُسمى بالتسوّل الموسمي، حيث يستغل هؤلاء الحالة الروحانية للشهر المبارك من أجل استدرار العطف والحصول على أكبر قدر ممكن من المال.
وقد أصبح تسوّل الأطفال ظاهرة مألوفة نشاهدها عند إشارات المرور، بمختلف الطرق التي ينتهجونها يظل المشهد مؤلمًا عندما تمتد يد صغيرة طلبًا للمال، بالإضافة إلى الضرر النفسي والجسدي الذي قد يتعرّض له الطفل. فالمكان الطبيعي للطفل هو البيت والمدرسة وليس الشارع.
وللتسوّل أسباب عديدة لا يمكن حصرها في محور واحد، ولكن الدافع الوحيد لها هو الحصول على المال، وبمرور الزمن يتحوّل التسوّل نفسه إلى دافع وباعث، وإن وصل المتسوّل إلى حد الاكتفاء والإشباع أو الترقّي ليصبح من طبقة الأثرياء، فنراه يبقى ملازماً للتسوّل إلى نهاية العمر. وتبدأ ظاهرة التسوّل بالبروز في حالات الفقر، الكسل، النقص العقلي أو الجسدي، فقدان المعيل، المحيط العائلي المتفكك، توارث الظاهرة من الآباء إلى الأبناء والمرض النفسي.
وعلَّمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع هؤلاء المتسوِّلين القادرين على العمل والكسب؛ فقد روى البخاري عن أنس بن مالك، أن رجلاً مِن الأنصار أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطلُبُ الصدقةَ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أمَا في بيتِك شيء؟)، قال: بلى، حِلْسٌ نلبَسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعْبٌ نشرب فيه الماء، فقال: (ائتِني بهما)، فأتاه بهما فأخذه بيده وقال: (مَن يشتري هذين؟)، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهم، قال: (مَن يزيد على درهم؟)، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: (اشتَرِ بأحدهما طعامًا وانبِذْه إلى أهلِك، واشتَرِ بالآخَرِ قَدُومًا فأتِني به)، فشدَّ فيه الرسول عودًا بيده، ثم قال له: (اذهب فاحتطب وبِعْ، ولا أَرَيَنَّكَ خمسةَ عشر يومًا)، فذهَب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشَرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألةُ نكتةً في وجهِك يوم القيامة، إن المسألةَ لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقرٍ مدقعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفظِع، أو لذي دمٍ موجع).
فيجب علينا تشجيع الأفراد على العمل والكسب بدلاً من التفكير بالتسوّل أو اللجوء إليه كحلٍّ لمشكلة الفقر والحاجة.