يوسف المحيميد
خرجتُ من فضاء الكلمات والعناوين الجديدة والشغف الكبير بالمعرفة أيام معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي اختتم السبت الماضي، إلى فضاءات القاعات المعتمة وعالم المرئي في مهرجان أفلام السعودية، الذي يختتم اليوم، وكلاهما حالة ثريَّة من المعرفة والوعي والثقافة والفنون، ولعل الغريب أن هاتين المناسبتين تجذبان أعدادًا غفيرة من الجماهير، فمعرض الرياض للكتاب اعتدنا على أرقامه الكبيرة في حجم الزوار وأرقام المبيعات، لكن الأجمل أن يحضر الجمهور مهرجانًا يعتبر نخبويًا للأفلام المهرجانية، أي ليست الأفلام التجارية المعروفة في دور السينما، بل ويدفع الجمهور ثمنًا لدخول عرض هذه الأفلام النخبوية، التي ينتجها ويخرجها ويمثل فيها مجموعة من الشباب من الجنسين، ليست لهم الشهرة الطويلة، لكنهم يعملون بشغف، مما جعل هذا الجمهور يساند تجاربهم بحب وحماس عند نهاية عرض كل فيلم.
لقد شاهدتُ الأفلام المعروضة يوميًا على مدى ثلاثة أيام، واتضح لي أن معظمها تنقصها الخبرة، خاصة في مرحلة السيناريو، وربما قبل ذلك، أثناء صناعة الفكرة ومداولتها في ورشة نقاش، فلو اطلع هؤلاء الشباب على إرث ضخم من التجارب القصصية والروائية السعودية لخرجوا بمئات الأفكار، خاصة أن الأفضل من الأفلام القصيرة المعروضة كان فيلم عنوانه «أنا الموت»، الذي حمل فكرةً متماسكة، وتصاعدًا في الحدث، وحوارًا، ربما لأنه مأخوذ عن إحدى قصص توفيق الحكيم، وهو أمر مهم للغاية، حيث السينما العالمية تنهل كثيرًا من القصص والروايات والمسرحيات والأساطير وغيرها. على سبيل المثال، تنهل السينما المصرية، منذ الأربعينات وحتى الآن، من القصص والروايات المصرية، منذ فيلمي (الأرض) ليوسف شاهين، المأخوذ عن رواية عبدالرحمن الشرقاوي، إلى فيلم (الحرام) لهنري بركات، المأخوذ عن رواية يوسف إدريس، إلى (بداية ونهاية) و(القاهرة30) لصلاح أبو سيف، والمأخوذين عن روايتين لنجيب محفوظ، وحتى فيلم (الكيت كات) لداود عبدالسيد، المأخوذ عن رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان، و(عمارة يعقوبيان) لمروان حامد المأخوذ عن رواية لعلاء الأسواني، وغيرها كثير من الأفلام التي صنعت السينما المصرية على مدى سبعة عقود، وهو ما يجب أن يلتفت إليه السينمائيون الشباب في السعودية، فالقراءة في مئات الروايات، وآلاف القصص القصيرة، سيوفر لهم مادة ضخمة يمكن الاشتغال عليها في صنع سيناريوهات مميزة.