السؤال الكبير الذي شغل المساحة الأكبر من كتاب (العالم أفقياً أمريكا الصين السعودية) هو كيف يمكن للمملكة العربية السعودية والاختيار هنا مقصود كونها أكبر قوة إقليمية استراتيجية، مالية ونفطية وثقافية وجغرافية أن تؤثر في التوازنات الدولية التي تتشكل الآن، وأن توازن مصالحها -وبنفس القدر- مع أكبر دولتين (الولايات المتحدة والصين) محور السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين، رغم التوتر وحالة الصراع بينهما؟ ذلك أن أحد تحولات القوة الرئيسة في القرن الحادي والعشرين يتمثل في إحياء آسيا. ففي العام 1800، كانت آسيا تمثل نصف سكان العالم ونصف الاقتصاد العالمي. وبحلول العام 1900، دفعت الثورة الصناعية في أوروبا وأميركا الشمالية حصة آسيا من الناتج العالمي إلى 20 %. ومن المنتظر بحلول منتصف هذا القرن أن تعود آسيا إلى تمثيل نصف سكان العالم ونصف ناتجة المحلي، وهذا باعتراف معظم الثقات من الباحثين والاستراتيجيين في العالم، ويجيب المؤلفان الدكتور عثمان الصيني والدكتور عصام عبدالله عن سبب اختيار هذا الموضوع في الكتاب بأن مستقبل العلاقة بين أمريكا والصين مختلط، ومزيج معقد من التعاون والصراع، وقدر منطقتنا أن تكون في القلب من هذا التعاون والصراع، وقدر السعودية أن تكون في قلب هذه المنطقة.
أما لماذا يؤلفان هذا الكتاب معاً الذي صدر حديثا عن دار مدارك؟ ولماذا شغلت العولمة القسط الأكبر من كتابهما المشترك؟ فيقولان:
كلانا ينتمي إلى المنطقة العربية فكرياً وثقافياً، ويمثل -في نفس الوقت- نموذجاً للعولمة من الناحية العملية، الدكتور عثمان الصيني سعودي- مسلم، والدكتور عصام عبدالله مصري- أمريكي- مسيحي، أما من الناحية الموضوعية فقد عشنا أحلام العولمة ونهاية التاريخ والقرية الكونية الصغيرة، واستيقظنا صباح ذات يوم لنفاجأ بالعكس، وأن العالم ليس مستوياً وإنما يتألف من مجموعة هائلة من المطبات والهضاب والصخور والجبال والسهول الوعرة، أو بالأحرى «تضاريس سياسية وبشرية» شديدة الصعوبة كثيرة العقبات، تتجلى في تنوع الثقافات والهويات ومستوي العقلانية والأطماع، وتباين الآمال والتطلعات والإحباطات، وبروز أنواع غير مسبوقة من الصراعات.
ماذا سنكون عام 2030؟
ما المشاكل والتحديات المتوقعة في العقد المقبل وما بعده؟
ما أهم ساحات الصراع ومداراته في القرن الحادي والعشرين؟
ما الآفاق والفرص المتوقعة في عالم (قد تغير)؟
والأهم، كيف نتجنب أكبر «كمين» استراتيجي- تاريخي يعصف بالشرق الأوسط
«الكبير» لسنوات مقبلة؟!
وما موقع السعودية ودورها في خضم هذه التحولات والعواصف؟
لقد أصبحت معظم دول المنطقة مهددة بالتفكك من أسفل؛ بالعودة إلى حدودها ما قبل الوطنية، ومن أعلى بالذوبان عبر الاستسلام لإرادة الشركات والمنظمات العابرة للقوميات، وبين مطرقة الولايات المتحدة وسندان الصين، شئنا أم أبينا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر: المشكلة التي تواجه الباحثين وسط تلاطم أمواج العلاقات الدولية، هي أن صراعات «العولمة» في القرن الحادي والعشرين بين قوى كبرى -رغم اختلافها- تشبه «الكوكاكولا» و»البيبسي»، إن جاز التعبير -كلاهما تقريباً نفس الشيء، الفروق بينهما شكلية وليس في العمق، لذا سعينا قدر الإمكان إلى تجنب الوقوع في خطأ التفكير بمنطق الحرب الباردة- ما قبل العولمة، ونحن نتناول أشد مشكلات العولمة تعقيداً، أي التعاطف مع طرف ضد طرف آخر، مثلما كان الحال مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.
ناهيك عن أن أغلب المؤلفات التي تتعرض للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين في السنوات الأخيرة لا تسعف كثيراً، ربما لأنها ما زالت تروج لمنطق ما قبل التسعينيات من القرن العشرين، وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق عام 1989، وهو منطق يحكمه «الفهم الصفري» لحالة العالم.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الصراعات في القرن الحادي والعشرين أصبح ينطبق عليها المثل العربي الدارج: «خلاخل والبلا من داخل» -لم تعد خارجنا وإنما في أعماقنا- فما يجمعنا ويربط بيننا في عصر العولمة هو نفسه ما يفرقنا ويدفعنا للتصارع، أو بالأحرى فقد دخلنا فيما بات يعرف بـ«حروب الاتصال» أو ما يسمى أحياناً بحروب المحيطات والإنترنت والبنية المترابطة للاقتصاد العالمي وأدوات النقل (الثقافي) والطرق والمواصلات، إنه عصر يعيش في داخلنا بمعضلاته وتداعياته أكثر مما نعيش نحن فيه، لذا لا يمكن الفرار منه -كما كان الحال في مرحلة الحداثة والحرب الباردة- بالتوجه والاصطفاف إلى جانب طرف دون طرف آخر جغرافياً واقتصادياً وتكنولوجياً أو تغيير مواقفنا ومواقعنا بسهولة من هنا إلى هناك أو العكس!
باختصار لا يمكن لأي باحث ومثقف حقيقي في عصر العولمة أن يتهرب من مسئوليته الفكرية والأخلاقية في هذا المنعطف التاريخي، وتلك المسئولية وحدها هي الدافع الأكبر لتأليف هذا الكتاب المشترك.