فهد بن جليد
لا أعرف من هو أول من استخدم مصطلح (التباعد) بدلاً من (التواصل)، فحال وسائل التواصل الاجتماعي اليوم يعكس هذه الحقيقة بشكل أوضح، مؤخرًا قررت أن أرافق أحد الأصدقاء المنشغلين طوال الوقت بسبب تواصله الدائم مع أصدقاء مشتركين بيننا عبر هذه الوسائل، ففي كل مكان نجلس فيه مع مجموعة من الأصدقاء يبدأ صاحبنا بالتواصل مع أصدقاء آخرين للذهاب إليهم والانسلاخ من المجموعة الأولى، وهكذا هي حياته لا يهنأ بأي مجموعة فهو في بحث دائم عن مفقود لن يجده، فالتباعد والانشغال لا يمنحان السعادة، والراحة، واللقاء.. إلخ، وستبقى هذه الأشياء من مفقودات التقنية.
في الطائرة وجدتُ أن الوقت مناسبًا للتخلص من بعض المقاطع المخزَّنة في جهازي بشكل آلي وحذفها، وكان يجلس بجواري مسافر غربي، ورغم أنَّني استخدم سماعة الأذن إلا أنَّه كان يسرق النظر ليشاركني الابتسامة ببعض المقاطع الغريبة والساذجة أحيانًا التي أتخلص منها كوني (غشيمًا وعليميًا) في التقنية، اعتقدت أنَّ تصرف (ابن العم سام) تحت بند النظرة العابرة، ولكنَّني تأكدتُ بأنَّ لعنة (هرمون اللقافة والتطفل) أصابت الخواجات أيضًا، لي نظرية سابقة توصلت إليها بأنَّ تعلقنا في تتبع مقاطع وسائل التواصل الاجتماعي هو بسبب ارتفاع هذا الهرمون وتعطيله لمصالحنا وفضح حجم الفراغ الذي نعاني منه لنمنح هذه الوسائل كل هذا الوقت من التعلق والتصفح والمتابعة، إذا ما كان هناك أصلاً هرمونًا مسؤولاً عن مثل هذه التصرفات.
يقول لي أحد أشهر المدربين الاقتصاديين العرب نظريته في تقييم وضعي المالي (إذا كنت تبحث كل صباح عن رزقك بالذهاب للعمل، فأنت فقير وستظل كذلك، ولن تصبح غنيًا إلا إذا علمت أنَّ هناك من يعمل في صباح اليوم التالي ليُدر عليك المال دون الحاجة لذهابك إليه) والسر وضعه صاحبنا في التقنية والتواصل الذكي، وأنا هنا أقول بموازاة ذلك (إذا كانت الرسائل والمقاطع تصل إلى جهازك دون أن تطلبها أو تبحث عنها، فأنت تستخدم وسائل التباعد الاجتماعي وستظل تضيع وقتك وجهدك في تتبعها وتصفحها) تلك معركة التواصل الحقيقية التي يجب أن تخوضها وتديرها بشكل صائب.
وعلى دروب الخير نلتقي.