أ.د.عثمان بن صالح العامر
الحياة مجموعة قرارات، تتعاظم هذه القرارات وتصغر بحسب المواقف التي يمر بها الإنسان، ويختلف الناس في منهجية اتخاذ القرار وآلية تنفيذه. وقد طرحت على طلابي الأسبوع الماضي سؤالاً عن الكيفية التي يصدرون بها قراراتهم خاصة المصيرية منها، فوجدت أن منهم من تتسم قراراته بالسرية التامة، فهو من يفكر في الأمر ثم يعزم، بل إن منهم من لا يلتفت البتة لكل ما يقال له ماضياً فيما عزم عليه دون تردد أو تراجع حتى وإن كان غيره خير منه في نظر كل من حوله، وآخرون يستشيرون ولكنهم غالباً ما تكون استشارتهم لمن حولهم الذين قد ينظرون للموضوع محل الاستشارة نظرة عاطفية صرفة لا طريق للعقل إليها، أو أنهم أصلاً لا يعرفون كثيراً عما يُستشارون عنه كاختيار التخصص مثلاً، وهناك من يطيل فترة الاستشارة ولا يترك أحداً يعرفه إلا استشاره - الأهل والأصدقاء والزملاء والجيران والأساتذة - ومن بين هؤلاء حاسد وحاقد وجاهل وأمي، وقد تفوت الفرصة وهذا المستشير لم يصل إلى رأي صائب يطمئن له جراء كثرة الآراء التي جعلته في حيرة من أمره، فلكل رأي دليل يسند وجهة النظر حتى وإن كانت مرجوحة عقلاً.
ولذا مهم أن تستشير ولكن الأهم منه أن تعرف من تستشير، وأن يكون لك أنت وجهة نظر ورأي نتيجة إعمال عقلك في الموضوع قبل أن تطلب الاستشارة من أحد، وألا تطيل فترة الاستشارة، وإذا عزمت فتوكل على الله ولا تتردد فالخيرة لا يعلمها إلا الله، والنتائج والعواقب والنهايات عند الله عز وجل، وبهذا تعيش مطمئناً في حياتك التي لا ارتجالية فيها ولا تسرع أو إبطاء.
لقد راح البعض ضحية أخذه استشارة خاطئة، وآخرون كانوا ضحايا اعتدادهم بآرائهم الشخصية دون إشراك عقول الآخرين معهم فيما هم مقدمون عليه ويهمون إلى مناجزته والانخراط فيه، ولذا كان من الأهمية بمكان طرح هذا الموضوع الذي يتعلق بحياة كل منا خاصة من هم ما زالوا في ريعان الشباب وأمامهم قرارات مصيرية تتعلق بمستقبلهم سواء الدراسي أو الاجتماعي أو الوظيفي أو التجاري أو الإعلامي. ولذا أرى لزاماً وجود مراكز متخصصة في تقديم الاستشارات ذات الصبغة الشخصية، تابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية أو وزارة التعليم ممثلة بالجامعات. فوجود مثل هذه المراكز مدعاة لترشيد القرارات وتسهيل اتخاذها من قبل أصحابها بعيداً عن التأثيرات السلبية الناتجة عن الميل العاطفي أو قلة الخبرة. وجزماً سيتولد عن هذه المبادرة تقليل حالات الطلاق، وتلاشي حالات الفشل الدراسي، ومعرفة كيفية اختيار الأصدقاء، والانخراط بالعمل في القطاع الخاص بكل حيوية وحماس و... لا لشيء إلا لأن هذا الشاب أو تلك الفتاة كان قراره مبنيًا على تفكير ودراية، وهو من شارك في اتخاذه، ولذا فهو يستشعر مسئوليته المباشرة عن نجاحه فيما هو مقدم عليه، بعيداً عن إلقاء تبعات ما أقدم عليه على الوالدين أو الأصدقاء أو الجامعة أو الدولة أو المجتمع، وبهذا تقل الفجوة بين ما يجب وما هو كائن. هذا ما عَنَّ لي حيال هذه المبادرة الاجتماعية التي أحتفظ بحق الملكية الفكرية لها، وأسعد لو تم تطبيقها في جميع مناطق المملكة. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.