رمضان جريدي العنزي
الإنسان الكريم يملك السمات الطيبة، وضميره حي، يسدي كل جميل يتلقاه من الآخرين بكل لطف ومحبة وتقدير وتواضع، لديه صفاء نفسي، ونية طيبة، وتوثب لرد الجميل بمثله أو بأحسن منه، مشاعره كلها إنسانية ممتلئة بالرقة والحسن والود والعذوبة، له جود وعطاؤه لا ينفد، لهذا قال المتنبي:
إذا أنت أكرمتَ الكريم مَلَكْتَهُ
وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيم تمردا
(الكريم) مكارمه عالية، لديه أريحية خلق وحيوية، عكس (اللئيم) الذي لا يملك سوى الجحود والتنكر لكل يد بيضاء امتدت له، اللئيم صاحب ضمير ميت، ومشاريعه غير صالحة للحياة، وعلاقاته بالناس فاسدة، يصنع الشر لكل من أحسن إليه، لا يعرف الوعد، ولا يفي بالعهد، ينطلق من موقع الحقد والحسد، نفسيته معقدة، وأمراضة مستعصية، يمقت المحسن إليه، ويكره المتفوق عليه، الناجحون عنده مصدر إيلام نفسي لا يطاق، والفاشلون عنده مصدر إلهام كبير، أحمق، يعيش في دائرة السواد الحالك، وله نزعات عدائية بغيضة، لذلك نراه لا يتوانى في اللغو، وسرد الكذب بدم بارد، ولسانه بذيء، إن موت الضمير عند اللئيم يجعله ينشغل بمصالحه ومكاسبه فقط، بعيداً عن هموم الآخرين من المجتمع، يعيش الأنانية والتقوقع والأنا، مجتراً عقده النفسية، واختلالاته الفكرية، واضطراباته العقلية، يجيد الشح ومهانة النفس ودناءة الإباء، قال السموأل بن عاديا:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
وكانت العرب تقول: أمر الأشياء حاجة الكريم إلى اللئيم، وغالباً ما تكتسي اللئيم وتتلبسه النذالة المطلقة، قال أبو شراعة القيسي:
إن الغنى عن لئام الناس مكرمة
وعن كرامهم أدنى إلى الكرم
وقال المؤمل بن أميل:
إذا نطق اللئيم فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
إن نكران الجميل وجحوده هو من أبشع وأشنع صفات اللئيم، قال سفيان الثوري:
وجدنا أصل كل عداوة
اصطناع المعروف إلى اللئام
وقال: معن بن أوس المزني:
أعلمه الرماية كل يوم
ولما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
ولما قال قافية هجاني
ولنا في مجير أم عامر عبرة وعظة، وفي بطون الكتب القصص الكثيفة التي تبين لنا البون الشاسع ما بين الكريم المعطي، واللئيم المنان، الجاحد لكل موقف طيب، والناكر لكل جميل.
قال الشاعر الشعبي محمد المهادي مبيناً الفرق ما بين الكريم واللئيم:
الأجواد وإن قاربتَهم ما تملّهمْ
والأنذال وإن قاربتها عفْتَ ما بها
والأجواد وإن قالوا حديث وفوا به
والأنذال منطوق الحكايا كْذَابْها
والأجواد مثل العدّ من ورده ارتوى
والأنذال لا تسقي ولا ينسقي بها
والأجواد تجعل نيلها دون عرضها
والأنذال تجعل نيلها في رقابها
والأجواد مثل البدر في ليلة الدجى
والأنذال غَدْراً تايه من سرى بها
ولعلّ نفس ما للاجواد عندها
وقار عسى ما تهتني في شبابها
إن الكريم هو المنتصر والفائز دائماَ في معركة الحياة، واللئيم هو الخاسر والمهزوم والمخذول والمنبوذ، إن اللئيم مثل ظلام الليل أسود ومعتم، والكريم مثل أنوار الفجر كله رقة وعذوبة، والعاقبة للمتقين الطيبين الكرماء الأطهار، أصحاب الجود والعطاء والإيثار.