بين نشأة مدينة الدرعية في المملكة العربية السعودية ومدينة بليموث Plymouth أو Plimoth في ولاية ماساتشوستس Massachusetts في الولايات المتحدة الأمريكية، يوجد تشابه لافت للنظر وأحد أبرز نقاط التشابه هو أن كل منهما تأسست من قبل مجموعة من المهاجرين من منطقة إلى أخرى والراغبين في بداية جديدة. قام مانع المريدي أحد زعماء عشيرة المردة في عام 850هـ/ 1446م برحلة تاريخية انتقل خلالها مع مجموعة من أتباعه إلى نجد قادمًا من شرق الجزيرة العربية. كان من أهم أسباب انتقال مانع المريدي هو رغبته في العودة لديار الآباء والأجداد ولذلك، ما إن وصلته دعوة من ابن عمه ابن درع حاكم حَجْر اليمامة تطلب منه القدوم إلى نجد، حتى لبى الدعوة وجمع كل ما يملك وسار من درعية الشرق عابرًا الصحراء حتى وصل إلى وادي حنيفة ليؤسس درعية وسط الجزيرة العربية(1). يعد استيطان مانع المريدي في موقع الدرعية وتأسيسه لها من أبرز أحداث تاريخ الجزيرة العربية ذلك أنه وضع اللبنة الأولى لتأسيس أعظم دولة قامت في الجزيرة العربية بعد دولة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة.
بعد رحلة مانع المثيرة بنحو مائتي عام وتحديدًا في عام 1620م، أنزلت سفينة ماي فلاور Mayflower أشرعتها وبدأت رحلتها الشهيرة من ميناء بليموث في جنوب إنجلترا England قاصدة العالم الجديد. وصلت السفينة إلى ميناء بليموث الحالي في إقليم نيو إنجلند New England في أمريكا الشمالية وألقت المرساة مؤذنة ببداية الاستيطان في هذه المنطقة. التحق معظم المسافرين (الذين أطلق عليهم مسمى الحجاج) رغبة في الاستقلالية والحلم بتأسيس مجتمع مثالي. تعد قصة وصول هؤلاء إلى شاطئ شمال شرق الولايات المتحدة من أبرز أحداث التاريخ الأمريكي وذلك لارتباطها الكبير بالثقافة الأمريكية خاصة احتفال عيد الشكر الذي تبنته الحكومة الأمريكية فأصبح عطلة فيدرالية(2).
للدرعية أهمية كبيرة للمجتمع السعودي فهي العاصمة الأولى للدولة السعودية ومنها بدأت مسيرة التوحيد الأولى حيث أمكن توحيد معظم أراضي الجزيرة العربية في دولة واحدة. لذلك، ارتبطت الدرعية في ذهن المواطن كرمز للوحدة والتماسك. في الوقت ذاته، ارتبطت مدينة بليموث في التاريخ الأمريكي كونها المدينة الأولى التي بدأ فيها الاحتفال بعيد الشكر وذلك عام 1621م. فإلى جانب معنى هذا العيد الواضح من الاسم وهو الشكر لله على نعمه، فإن له معانٍ أخرى مرتبطة بالاجتماع والوحدة والأسرة وغيرها. تعد قصة مانع المريدي وعودته إلى نجد وتأسيسه للدرعية قصة كل السعوديين كون الدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية التي أصبحت منارة للسياسة والعلم والثقافة والحكمة ومنطلقًا لتوحيد معظم أراضي الجزيرة العربية. كما أن قصة سفينة الحجاج وتأسيس بليموث قصة كل الأمريكيين لارتباطها الكبير بالتراث والثقافة الأمريكية.
يزور بليموث سنويًا نحو مليون ونصف المليون سائح لزيارة المواقع التاريخية والمتاحف الموجودة بها وأبرزها القرية التراثية التي هي نسخة لما بناه المستوطنون حين وصولهم وقد تم البدء في بنائها في خمسينيات القرن الماضي. وتستعد بليموث للاحتفال بالذكرى الأربعمائة لتأسيسها وذلك بعد نحو عام ونصف العام في منتصف عام 2020م مع هدف بوصول عدد السياح إلى ستة ملايين في ذلك العام(3).
في المقابل فإن الدرعية التي شارفت بلوغ الذكرى الستمائة لتأسيسها التي توافق عام 1450هـ، والتي يظهر للعيان النقلة الكبيرة التي حدثت فيها بناء على عناية ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي استطاع خلال فترة وجيزة من نقل الدرعية التاريخية من مدينة غير مأهولة إلى إحدى أبرز المدن التراثية في العالم إِذ تم تسجيلها كإحدى مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو في عام 1431هـ/ 2010م. نتيجة لذلك، ستصبح الدرعية من أبرز نقاط الجذب السياحي في المملكة والعالم ولا أدل من ذلك إلا إنشاء عدد من المتاحف التراثية فيها كمتحف الدرعية ومتحف التجارة والمال ومتحف الخيل العربية ومتحف الحياة الاجتماعية والمتحف الحربي وكذلك لاستضافتها لعدد من الفعاليات العالمية كسباق الفورميلا إي.
... ... ...
(1) عثمان ابن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1403هـ/ 1983م، 1/ 13-14. عبدالله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، الرياض، 1419هـ، 1/ 80-81.
(2) https://wilstar.com/holidays/thankstr.htm
(3) https://plymouth400inc.org/blog/what-will-you-askplymouth400
** **
أ. محمد بن علي العبداللطيف - قسم التاريخ/ جامعة الملك سعود