د. أحمد الفراج
تحدثنا في المقال الماضي عن استراتيجية الرئيس ترمب في مسك العصا من المنتصف، أي مراعاة أنه رئيس لكل الأمريكيين، لا فرق بين المواطنين البيض وبقية الأجناس، ولا بين المسيحيين ومعتنقي الأديان الأخرى، وفي ذات الوقت، مراعاة الشريحة التي كان لها الدور الأكبر في وصوله للبيت الأبيض، أي المحافظين البيض، وهي استراتيجية لا يمكن القول بأنها ناجحة تماما، لكنها مكّنته من تجاوز عنق الزجاجة بصعوبة، في كل مرة يتجاوز اليمين المتطرف، فعندما خرجت مظاهرة للبيض قبل فترة، واستخدمت عبارات صارخة ضد السود واليهود، وجد ترمب نفسه في مأزق، فهو رمز الولايات المتحدة الأول، وممثل قيم الحرية والعدالة، ولا بد له أن يشجب هذه الممارسة العنصرية، وفي ذات الوقت، يعلم أن الشجب سيغضب كثيرا من المحافظين، وبالتالي ارتبك وارتكب أخطاء فادحة، لاقى بسببها نقدا واسعا.
لقد شجب ترمب العنصرية بكل أشكالها، وبدا من حديثه أنه يريد أن يقول إن هناك عنصرية مضادة من الطرف الآخر، وقد يكون هذا مقبولا، لو كان يلقي محاضرة عامة عن العنصرية، أو يرد على سؤال حولها. هذا، ولكن المناسبة كانت تحتم عليه أن يشجب حادثة عنصرية بذاتها، أي ما تفوّه به المتظاهرون المتطرفون ضد شرائح من سكان أمريكا ذاتها، ثم ضغط عليه الإعلام ليشجب سيرة الجنرال، روبرت لي، قائد قوات الولايات المتحدة الكونفيدرالية، الدولة التي انشقت عن الولايات المتحدة الأمريكية، أثناء الحرب الأهلية الدامية، لأن المظاهرة قامت حول تمثال لهذا الجنرال، في إحدى المدن الأمريكية، ولم يكن ذلك سهلا، فهذا الجنرال يعتبر بطلا قوميا في مخيلة المحافظين البيض، وشجب ترمب لسيرته سيفقده رصيدا كبيرا من أصوات هذه الشريحة المهمة جدا له.
لم يتردد ترمب في الإشادة بسيرة الجنرال، وأنه كان أمريكيا حقيقيا، يمثل قيم العصر الذي عاش فيه، أي عصر العبودية قبل أكثر من قرن ونصف، ولا شك أن ترمب كسب كثيرا بسبب ذلك، وأثار الحماس في نفوس المحافظين، ما زاد من ثقتهم بأنه يمثلهم، وكان ذلك واضحا من تصريحات أحد أبرز رموز العنصرية حاليا، ديفيد دوك، الذي أحرج ترمب من خلال دعمه له، ولا شك أن الرئيس المختلف ترمب سيواصل هذا النهج، ويحاول قدر المستطاع أن لا يتجاوز الخطوط الحمراء، أي لا يغضب اليمين المتطرف، وفي ذات الوقت، لا يتعدى على القيم الأمريكية الراسخة، قيم العدالة والمساواة، ولكن هذا سيجعله في موقف محرج، كلما حصل تجاوز عنصري، أو جريمة، مثل ما حدث في نيوزيلندا، فالعالم يشهد حالة صعود اليمين العنصري المتطرف، وسنواصل الحديث.