د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
رؤية المملكة 2030 ليست شعارًا، بل هي رؤية تحدٍّ، وإعادة هيكلة الاقتصاد المحلي؛ ليتحول من اقتصاد أحادي إلى اقتصاد متنوع من أجل ألا يبقى أسير تذبذب أسعار النفط، لكنه اقتصاد يتخذ من النفط دعامة.
راعت الدولة هذا التحول؛ ففي عام 2018 يمكن أن تصل الضرائب على السلع والخدمات إلى 85 مليارًا، فيما بلغ إجمالي الضرائب نحو 166 مليار ريال بارتفاع بنسبة 89.4 في المائة عن عام 2017، لكن صُرفت على المنافع الاجتماعية نحو 75 مليار ريال بارتفاع بنسبة 57 في المائة عن عام 2017.
هناك تساؤلات عدة تُسأل: لماذا لم يتمكن الاقتصاد السعودي من تحقيق التحول والتنوع طيلة فترة طويلة من الزمن، رغم أن هناك محاولات حثيثة لتحقيق هذا التنوع؟ لكن البعض يعتبر أن صدور نظام الاستثمار الذي يسمح بالتملك الكامل للمستثمر الأجنبي، وتخفيض نسبة الضرائب، وترحيل الخسائر غير المحددة التي أرادت أن ترفع نسبة الصناعة من الدخل القومي من 10 في المائة عام 2010 إلى 20 في المائة في عام 2020، لم يصل للمطلوب؛ إذ ما زالت عند 11 في المائة.
نظام الاستثمار الأجنبي بمفرده لن يحقق الهدف المنشود، ولو نظرنا إلى الصناعات الأمريكية والأوروبية واليابانية فقد انتقلت إلى الصين بسبب أن الصين تمتلك ميزة نسبية أعلى في رخص اليد العاملة بسبب أن الدول المتقدمة لن تسمح باستقدام يد عاملة صينية لتحقيق هذه الميزة في خفض التكاليف، لكن لدينا يصرُّ القطاع الخاص على استقدام اليد العاملة الرخيصة، والتحول يرفض استمرار هذا الوضع الذي يرفع من نسب البطالة محليًّا؛ لذلك تعتبر مرحلة إعادة هيكلة الاقتصاد مصحوبة بآلام، لكن تغلبت الدولة على هذه الآلام، وحولتها إلى فرص.
في هذا التحول راعت الدولة عددًا من البحث عن مميزات نسبية، كانت معطلة لتعويض القطاع الخاص عن التخلي عن اليد العاملة الأجنبية الرخيصة، وتوسيع قاعدة الإنتاج من أجل أن تتحول السعودية إلى قوة صناعية إقليمية، ومركز لوجستي عالمي، وركزت على قطاعات متعددة في التصنيع والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية من خلال تطوير أنظمة المحتوى المحلي من أجل أن يتضاعف الناتج الصناعي بين ثلاثة وأربعة أضعاف، الذي بلغ في عام 2017 نحو 312 مليار ريال.
ربطت الدولة المحتوى المحلي بالمشتريات الحكومية؛ إذ وجدت أن المشتريات الحكومية العالمية تبلغ 15 إلى 20 في المائة من الناتج العالمي، وخصوصًا أن الناتج الصناعي تضاعف ثلاثة أضعاف في العقد الأخير، ويبلغ من التجارة العالمية أكثر من 65 في المائة، والسعودية تمتلك مجموعة مميزات نسبية، وما زالت أسيرة تذبب أسعار النفط، وعندما انخفضت أسعار النفط 60 في المائة كانت نسبة انخفاض أسعار منتجات سابك 30 في المائة، فإذا كانت هذه الصناعات مرت بسلاسل قيمة مضافة فإن التذبذب سيكون منخفضًا جدًّا، وقد تكون تحررت من هذا التذبذب.
صناعات المحتوى لن تكون صناعات تحل محل الواردات، بل ستكون صناعات تمتلك مميزات نسبية قادرة على خلق الميزة التنافسية؛ لذلك وضعت الدولة نسبة نمو في الصناعات 9 في المائة، وللصادرات نحو 16 في المائة.
تم ربط المحتوى بأقطاب محلية، منها قطب الطاقة «أرامكو السعودية» التي ستتحول إلى قطب صناعي بعد استحواذها على النسبة المتبقية لسابك وتمتلكها الدولة، ولديها برنامج رأسمالي، تنوي تنفيذه خلال الأعوام العشرة المقبلة بقيمة 400 مليار دولار، ووفرت 140 فرصة لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهي تمثل أكثر من 95 في المائة من إجمالي المشاريع، ولا يمكن أن تبقى نسبتها من الناتج المحلي 21 في المائة، فيما تنوي الدولي رفعها إلى 35 في المائة من أجل تحفيز القطاع الخاص؛ ليكون قادرًا على تسلُّم الخصخصة؛ إذ تنوي الدولة جمع 200 مليار دولار لخلق أقطاب أخرى جديدة على غرار أرامكو وسابك اللتين ستكونان مظلة لهذه الصناعات الوليدة والقائمة.