د.ثريا العريض
مجزرة المسجدين التي ارتكبها أسترالي في نيوزيلاندا, وردود الفعل محلياً هناك, رسمياً وشعبياً, وفي أنحاء العالم كله, تعيد إلى الأذهان سؤال التطرف والإسلاموفوبيا, والفكر الإقصائي الذي يقود إلى أقصى درجات الإجرام الإرهابي.
هؤلاء المسلمون الذين لقوا حتفهم دون أي استفزاز, وغيرهم من اللاجئين المهاجرين في شتى أنحاء مجتمعات الفكر الغربي أهدر حقهم في الحياة فقط لأن هناك من يصنفهم مختلفين مرفوضين! لماذا تسممت الأذهان لتقابل وجودهم بينها بالرفض, وتقبّل الكثيرون أنهم بذور سامة ستؤدي إلى القضاء على «حضارة الغرب» وفكره الديني والاجتماعي.
ردود فعل الحكومة النيوزيلندية تستحق الإعجاب والشكر لإعلانها حالاً أن التطرف غير مقبول على أراضيها من أي فئة أو دين.. وأن الضحايا مواطنون مكتملو الأهلية لهم كل حقوق المواطنة واحترام عقيدتهم, وتقدير مساهمتهم في بناء وطنهم الجديد.
وفي الجانب الآخر ردود الفعل الصاخبة من بعض الساسة الانتهازيين, ومحاولتهم استغلال هذا الحدث المؤلم إنسانياً لدعم طموحاتهم السياسية يفضح مدى انتشار الفساد السياسي الذي يحلِّل معاناة الإنسان في البحث عن العيش في سلام لخدمة أغراض فردية وفئوية.
مهما كان السبب والتبرير لأفعال التطرف من أي فرد في أي مجتمع لن أقول إن المتطرف مريض يستحق التفهم.. بل هو مجرم يستحق العقاب الذي يحمي المجتمع من شرِّه.
الإرهاب إجرام قاتل لا يعترف بدين أو عرق أو جنسية معينة.
مع الأسف أصبح التطرف تلوثاً يهددنا جميعاً، إذ يحيط بنا في توالد آراء سامة.. مواقف متشدِّدة.. إرهاب سياسي.. تعلّق بالشكليات مذهبياً.. وعقائدياً.. وانقسامات في الانتماء.. وتآكل في القدرة على التعايش بسلام.
التطرف صفة كريهة تبدو وكأنها السمة الغالبة في مجتمعات اليوم.. وليتها لم تكن.. صارت طابعاً يلوّن المعتقدات واللقاءات والحوارات.. يجعلنا نتباعد كلما ظن الأفراد في كل طرف أنهم يلتقون.
يعجزون عن التواصل والتفاهم والتفهم.. يتشددون مع أنفسهم ومع غيرهم وكأنهم يرفضون أن الخصوصية لا تلغي الانتماء ولا حقوق الإنسانية.
وبقدر ما نرفض الآخرين أو يرفضوننا, نعجز كلنا عن تحقيق تغير جذري ليجعلنا ويجعلهم أقرب خطوة واحدة إلى تلك المثاليات التي تنادي بها كل الأطراف بصيغها الخاصة.. وترفضها كل الأطراف بصيغة الآخرين.