مها محمد الشريف
من بين كل المقاربات التي تتناول المشهد الثقافي تشابهها في البرهنة. وهذا هو ما لم يستطع الإنسان نسيانه؛ فالكتاب أصبح شكلاً غير تقليدي، والاعتراف بهذه المكانة الخاصة للأدب والثقافة في المملكة بلغت ذروتها.. فكلما أعدنا قراءة هذه الاحتفالية يتضح لنا أن الكثير يحمل لغة علمية ومعرفية، تعطي انطباعًا علميًّا ثريًّا، يعبِّر عن إرث ثقافي يجتذب الأنظار.
وعظمة هذا الإرث الثقافي الوطني إحدى السمات اللافتة في المعرض، ومن ذلك استضافة الشخصيات من الذين يستمدون أفضل أفكارهم من المنهج الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية، مثل معالي الشيخ د. السديس الذي يحل ضيفًا على قناة المعرض، وسمو الأميرة عادلة بنت عبدالله التي تزور المعرض، وعدد من كبار الشخصيات وأساتذة الجامعات. وعلاوة على ذلك ثمة نشاط لديه مهمة واضحة، كدار بولندية تعرض وثائق نجدية، تعود إلى 200 سنة.
لا شك أن آلية التنظيم أسهمت في إنجاح العرض السينمائي؛ فهي مرحلة تطورية للمثقف الناضج، وتحث على الوصول إلى نموذج مشترك بين الناس الذين توافدوا للتسوق الممتع بمزيج متناغم مع الحراك الثقافي والمعرفي، وسط أجواء يغمرها الفرح والتلاحم.
فمن ناحية أخرى يمكن التعرف على دور النشر المشاركة والفعاليات، وعدد من الندوات والأمسيات الرئيسية، إضافة إلى ورش عمل متنوعة في جوانب التصوير الضوئي، وتنمية مهارات وثقافة الطفل والكتابة الإبداعية للأطفال، وعدد من الروائيين لما للرواية من جماهيرية وقرّاء. وتميز المعرض هذا العام بزيادة عدد الشاشات لتسهيل عملية البحث.
هذه الحشود التي تخصص جزءًا من وقتها لزيارة المعرض من أجل الكتاب لم تأتِ من أجل الاستعراض؛ فهناك حاجة ملحة وعطش للمعرفة.. ووعي بدأ ينمو بسرعة لدى الأجيال.. وهذا ليس بغريب علينا كمجتمع يتقبل الثقافات المتنوعة، ولا يخشى الانفتاح على الآخر متى ما وجد هذا الدعم الهائل من قيادتنا الرشيدة.
الواقع أنه باستثناء الوظائف الاستراتيجية التي ذكرنا جزءًا منها، فإن معرض الكتاب هو أحد السبل التي من خلالها نستطيع تنمية الوعي لدى شريحة كبيرة من المجتمع؛ لكي تظل معاني الثراء وعمق الدلالات تصوغ درسًا يجعل القراءة هي البوابة الأولى والمهمة للتزود بالمعارف والعلوم.
ففي كل المجتمعات يناقش الباحثون ماهية عمل الثقافة في تطوير المجتمع، وتنميته، كما يبحثون عن الدور الذي تلعبه الثقافة في النهضة الحضارية الشاملة لأمة من الأمم وسيادتها؛ إذ لا بد لنا أن نواكب آمالنا أكثر في عصر التكنولوجيا؛ لأن المتفق عليه أن النهضة الثقافية تسيّرها جملة من المكتسبات؛ لتشكل همزة وصل بين الأجيال.
ومع ذلك نكرر بأن إيجاد بيئة محفزة، تشجع على القراءة، وتساعد على تطوير الحياة، وتعتبر صناعة الكتاب ذات صلة من جانب أقوى المشروعات الفكرية، وتسهم في بناء الاقتصاد المعرفي الوطني، هو ما يجعل معرض الكتاب دعوة إلى علم يهدف إلى علامة الانتماء، وملمحًا يدعو للتفاؤل.
حتى في الوقت الذي كان يُقترح فيه علومٌ جديدة نجد أن الكبار والصغار يأتون وهم يحملون قوائم معدة مسبقًا لكتبهم المفضلة.. وهذا دليل لا يدعو للشك على أن الخطوات القادمة يجب أن تأتي سريعًا؛ لتوائم الرؤية الطموحة 2030؛ لتسهم في تنمية واستثمار العقول.
كما يرى بعض المثقفين والفلاسفة، فإنه من الضروري انتظار قدوم نمط جديد من الناس، لا يملؤون الفراغ الذي حققه اندثار غيرهم، بل يبذلون الجهد من أجل تغيير بنية التفكير بالانفتاح على العالم من خلال المواجهة والنقاش والتبادل، وتعزيز مكانة الرياض بصفتها وجهة ثقافية رائدة في صناعة الكتاب ونشره.