د.عبدالله مناع
في ظل هذه الثعبانية التي يمارسها الحوثيون الانقلابيون في مدن الشمال اليمني.. بل وفي كل اليمن الذي يقع تحت قبضتهم.. مع كل «اتفاق» يتم التوصل إليه لحل النزاع اليمني سلمياً، والتي عطلت أخيراً تطبيق (اتفاق استوكهولم) السويدي - وهو الاتفاق «الثالث» بين الطرفين، - بعد «جنيف» و»الكويت»، فإلى جانب أنه لم يتم تنفيذ أي بند من بنوده من جانبهم رغم الجهود التي بذلها ويبذلها المبعوث الأممي السفير (مارتن جريفيث) في محاولاته.. لإقناع (الحوثيين) بالعدول عن مواقفهم السلبية.. فقد أعلنوا صراحة رفضهم لوجود مراقبين دوليين للإشراف على الانسحاب من «الحديدة».. إضافة إلى رفضهم - من قبل - لبند: تبادل إطلاق سراح الأسرى والموقوفين والمختطفين من الجانبين.. وتسليم إدارة ميناء الحديدة إلى «الشرعية». فبدلاً من أن يسلموها للشرعية.. سلموها لأنفسهم عبر تلك الكوميديا السوداء التي لم تنطل على أحد! حتى أوصلوا اتفاق السويد إلى حالة من (الجمود) التام، الذي يريدونه ويسعون إليه.. وإلى تحقيقه بهذه الثعبانية!
فحالة (الجمود) هذه في النزاع اليمنى إنما تعني بالنسبة لهم استمرار الحال على ما هو عليه.. أي استمرار حكمهم لمدن الشمال اليمني الرئيسية الثلاث (صنعاء وتعز والحديدة) وما بينها من مدن وقرى صغيرة، وليس لديهم مانع من أن تبقى «الشرعية» في العاصمة المؤقتة «عدن».. إلى ما شاء الله! إذ يبدو أن في أجندتهم الخفية العودة بـ(اليمن) إلى وضعه الأسبق قبل وحدة اليمنين - الشمالي والجنوبي - عام 1992م، فإن قبلت «الشرعية» بهذه الأجندة واستسلمت لها.. فالخير وأهله! وإن رفضت.. وأرادت أن تسترد مدن الشمال اليمني بـ(حرب برية) معتمدة على قوات التحالف بقيادة المملكة.. فذلك هو المراد! لأنه سيفتح لهم باباً آخر لـ(الشكوى) ضد دول التحالف الأربع.. بأن اليمن يتعرَّض إلى عدوان عربي من دول التحالف الأربع!
وهو ما ينقل النزاع اليمنى إلى مسار آخر.. مختلف تماماً عن حقيقته وجوهره المتمثِّل في انقلاب «الحوثيين» على الشرعية اليمنية والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمنى الشامل، ورفضهم - فيما بعد - لقرار مجلس الأمن الدولي 2216.. لكن يبدو أن البله والهبل السياسي هو الذي أوقعهم في هذا (السيناريو)، الذي يمكن أن أسميه سيناريو الأحلام الحوثية المستحيلة!
فقد أنستهم حالة البله والهبل هذه التي يعانونها، أنه ما يزال في يد المبعوث الأممي (جريفيث) الكثير لحملهم على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، لأنه صادر تحت الفصل السابع.. وهو ما يعنى أن من حق مجلس الأمن الدولي استخدام (القوة) لإنفاذه.. سواء بـ(استخدام) مراقبين أمميين لمراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين المتنازعين.. كما فعل السفير (جريفيث) حتى الآن أو العودة إلى مجلس الأمن لطلب تشكيل قوات حفظ سلام أممية.. تأتى إلى اليمن لإيقاف الحرب بين المتنازعين بالقوة.. وتسليم السلطة للقوى الشرعية في بلد النزاع.
* * *
على أي حال.. وبعيداً عن حالة «الجمود» هذه التي يسعى لاستبقائها الحوثيون بهذه (الثعبانية).. فقد تسرَّبت خلال الأسبوعين الماضيين (أنباء) توحي بقرب فض هذا «الجمود».. كان بعضها صادراً عن وفد «الشرعية اليمنية» في اجتماعات لجنة (إعادة الانتشار) لمليشيا الحوثيين في الحديدة.. وهو تعبير ديبلوماسي لـ(انسحاب الحوثيين) من الحديدة.. برئاسة رئيس هيئة المراقبين الأمميين (مايكل لوليسغارد) لوقف إطلاق النار.. حيث قال وفد الشرعية وهو يعدد خروقات الحوثيين لوقف إطلاق النار نقلاً عن الرئيس عبد ربه منصور هادي بـ(إن الحل الشامل للأزمة اليمنية لا يمكن أن يكون ناجحاً دون العودة إلى جوهر المشكلة وأسبابها الحقيقية).. بينما قال في تغريدة له على حسابه في (تويتر) بـ(إن الحل مرتكز على المرجعيات الثلاث، والقرارات الأممية ذات الصلة.. وفي مقدمتها القرار 2216).. بينما قالت أستاذة العلاقات الدولية وخبيرة الحقوق والحريات الدكتورة وسام باسندوة في ندوة بنادي الصحافة السويدية في جنيف: (أن لا حل للأزمة اليمنية إلا بتسليم الحوثيين للسلاح واستعادة الشرعية).. لكن الأنباء الأهم جاءت يوم السبت - ما قبل الماضي - على لسان وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو بـ(دعم بلاده لتحالف إعادة الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية).. مشدداً في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن: أنه (يجب دعم التحالف في اليمن.. حتى لا ينتقل اليمن إلى السيطرة الإيرانية وحتى لا يصبح دولة يحركها نظام إيران الفاسد)! مضيفاً أن المملكة العربية السعودية قدمت مساعدات لليمن.. تقدَّر بمليارات الدولارات.. مشدداً على أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في استوكهولم.. لا بد وأن ينفذ)! بل واعتبر بومبيو في ختام تصريحاته (أن من يهتم بحقوق اليمنيين وحياتهم فإن عليه دعم التحالف بقيادة المملكة).. وهي أبناء لها ترجمتها على أرض الواقع اليمنى إن كان بلهاء الحوثيين استطاعوا فهمها!
على أن الأنباء.. الأكثر أهمية جاءت من بريطانيا على لسان رئيس لجنة التحقيقات في مبيعات الأسلحة البريطانية النائب العمالي «جراهام جونز».. من خلال قوله بـ(إن مليشيا الحوثي تمثل أكبر تهديد على كوكب الأرض الآن)! مؤكداً (أن تهديد الحوثيين للمملكة بإطلاق صواريخ بالستية عالية التقنية هو أكبر تهديد على الأرض.. مستنكراً الحملات الموجهة ضد المملكة - من بعض الدول - لدعمها الشرعية اليمنية)! مشيراً إلى أن سفراء دول العالم لدى الأمم المتحدة (أجمعوا على دعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي).. معتبراً (أن الطريقة التي تحقق السلام والأمن في اليمن.. هي في وقف تقدّم المليشيات الحوثية إلى المناطق القبلية الأخرى، والظلم الذي يحل معها)...!
* * *
إن هذه (الأنباء) من جانبي الشرعية اليمنية والمجتمع الدولي.. تقوِّي صلابة المبعوث الأممي السفير مارتن جريفيث في فض حالة الجمود هذه التي يحرص الحوثيون على استمرارها لأنها تخدم أهدافهم.. كما يصوّرها لهم هبلهم السياسي، وتعطيه مزيداً من الطاقة الديبلوماسية لحمل الحوثيين على تطبيق «البند الأول» من اتفاق استوكهولم السياسي، والمتمثِّل في تبادل إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمختطفين من الجانبين.. فتسليم موانئ الحديدة البحرية الثلاث لـ(الشرعية اليمنية).. فالانسحاب من الحديدة كلها وإعادة انتشارهم. خارجها، فإن نفذ الحوثيون ذلك.. أمكن الانتقال بعدها إلى (البند الثاني) من اتفاق استوكهولم السويدي والخاص بمدينة «تعز» وفك الحصار عنها وعودة أبنائها إليها الذين غادروها فراراً من طغيانهم وجبروتهم، ليتم الانتقال بعد ذلك إلى (البند الثالث) من اتفاق استوكهولم.. والخاص بـ(صنعاء)، حيث يتم تسليم السلاح ومقار الوزارات والمصالح والأموال المنهوبة - إن بقي منها شيء! لـ(الشرعية).. ليتم ساعتها الانتقال إلى الجانب السياسي من اتفاق استوكهولم السويدي، والذي سيبدأ بـ(تطبيق) مخرجات الحوار الوطني اليمنى الشامل.. وأولها: دعوة اليمنيين جميعاً للاستفتاء على الدستور اليمنى الجديد: دستور (جمهورية اليمن الفيدرالية)، المكونة من ست مقاطعات.. لتعقبها انتخابات تشريعية فـ(رئاسة)، أما إذا استمر الحوثيون على (ثعبانيتهم) ومراوغاتهم وتصريحاتهم التي يطلقونها في اجتماعاتهم مع «جريفيث» أو «مايكل لوليسغارد».. ثم ينقضونها فور مغادرتهم للاجتماع بـ «جريفيث» أو «لوليسغارد».. فإن ذلك سيدفع المبعوث الأممي (مارتن جريفيث) لإنذارهم الإنذار الأخير! فإن استجابوا.. فسيمضي تطبيق بنود اتفاق استوكهولم السويدي إلى نهايته! أما إن عادوا إلى «ثعبانيتهم» مجدداً.. فأحسب أنه سوف لا يكون أمام المبعوث الأممي «جريفيث» غير التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بتشكيل (قوة أممية) لإرسالها إلى (اليمن) لتنفيذ القرار 2216 وحفظ الأمن والسلام في ربوع اليمن وفق مرجعياً القرار الثلاث: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل، وانسحاب الحوثيين إلى «صعدة»، ليعض ساعتها الحوثيون أصابع الندم.. على الفرص السياسية التي أتاحها لهم لقاء جنيف أو مشاورات الكويت أو اتفاق استوكهولم السويدي.. وأضاعوها من أجل أجندة مذهبية إيرانية لـ(حكم اليمن).. لمعهدها اليمنيون ولم يعرفوها.. تحت رعاية إيرانية لم تقدّم لهم غير صواريخها البالستية.. التي لا تشبع جائعاً، ولا تداوي مريضاً. فإذا وصلت القوات الأممية إلى أرض اليمن فإن «إيران» لن تستطيع ساعتها أن تفعل للحوثيين شيئاً لانشغالها بأزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة، ليبقى الحوثيون معها في فراغ تام: فلا حكم ولا أموال ولا حتى حقائب وزارية إن سُمح لهم بالمشاركة في أول انتخابات تشريعية بعد انتهاء الأزمة.. ليعودوا إلى «صعدة» بسخط اليمنيين ودعائهم عليهم!