حمّاد السالمي
ماذا نعني بـ(داعش)..؟ ومن هم (الدواعش) في المفهوم المرتبط بالإرهاب الإقليمي والدُّولي بشكل عام..؟
نتذكر أن التنظيم الإرهابي الذي تشكل على الحدود بين العراق وسورية؛ سمى نفسه في البدء: (الدولة الإسلامية في العراق والشام)؛ ثم أطلقت عليه دوائر إعلامية إقليمية اسم: (داعش)، وهو اختصار من: (دولة- الإسلامية- العراق- الشام)، وسرعان ما ظهرت تسمية أخرى من دوائر سياسية وإعلامية غربية هي: (آيزيس ISIS)، ولا أدري ماذا تعني..؟ وما مدى صلتها باسم: (إيزيس)، الذي هو اسم على إلهة مصرية قديمة كانت تُعبد في اليونان في القرن الثالث قبل الميلادي. ومرة أخرى؛ يحضر حلم ومشروع قديم متجدد يتمثل في: (خلافة- خرافة للإخوان المسلمين)، فيطفو على السطح اسم آخر لداعش هو: (دولة الخلافة الإسلامية).
لقد أضحى مصطلح (داعش) هو الأكثر شيوعًا وتداولاً للدلالة على مفهوم الإرهاب الذي تبنته منظمة القاعدة من قبل، وانسحب على داعش والنصرة وبوكو حرام من بعدها، وكل منظمة أو جماعة تتفق معها في العقيدة التكفيرية العدائية ضد كل من يخالفها، والتي بموجبها تستحل دماء الآخر، وتجيز سبي نسائه، وسلب أمواله، وتخريب دياره. فقد اصطلح الناس على تسمية كل صاحب فكر تكفيري شاذ (داعشي)، وحق لهم ذلك. هذه المنظمة الإرهابية الداعشية وغيرها مما ماثلها في هذه العقيدة، استخدمت السلاح، وقتلت وشردت ودمرت، وبالمقابل فإن التحالف الدولي في الشام؛ قتل من صفوفها (370 ألف إرهابي)، وقُتل بسبب الدواعش أنفسهم من أطفالهم؛ (30 ألف طفل)، فهل هؤلاء القتلة (الدواعش)؛ وحدهم يتحملون الجرم العظيم الذي اقترفوه في حق البشرية وحق أنفسهم..؟
لن أدافع عن القتلة، ولن أبرر سلوك المكفرين والإرهابيين أين ما كانوا ومن كانوا، فقد ظهر اليوم دواعش من اليهود والمسيحيين لا يقلون عنفًا وإرهابًا عن دواعش العرب والمسلمين، لكني هنا أتساءل: لماذا ننتقم من أدوات الإرهاب وننسى الذين صنعوها..؟ نلاحق صغارهم ونغفل عن كبارهم. نحاسب التلاميذ وندع الأساتيذ..؟ كم من شيخ تسبب في إغواء عشرات الألوف وقتل مثلهم؛ وهو يفتي من قصره، ويحرض من منبر خطبة، ويكذب على الغَفَلة، فيمنيهم بالجنة على أشلاء الأبرياء باسم الجهاد..! فكما لنا حق ملاحقة الإرهابيين الدواعش والقضاء عليهم؛ فلهم هم حق القِصاص ممن دعّشوهم، وصنعوا منهم أدوات قتل لا ترحم.
من المؤكد؛ أن أكثرنا شاهد مقطع الفيديو الذي يعرض حالة مجموعة من الشباب المصري المغرر بهم، الذين ظهروا متحجبين ومتخفين في ألبسة نسائية سُود وهم يقفون في صف واحد أمام محقق أمني -أظنه على الحدود مع ليبيا- وكان المحقق يسأل كل واحد على حدة بما معناه: من السبب في ظهورك بهذا الشكل ومحاولة تجاوز الحدود..؟ فكانت إجابة الجميع واحدة: شيخنا هذا..! ويشيرون إلى رجل ممتلئ وملتحٍ يقف بينهم، بدا وكأنه كبيرهم الذي علمهم (الدعشنة)، وقادهم في ثياب نسائية لدخول ليبيا للحاق بالدواعش هناك. فليبيا هي أرض الدواعش الموعودة بعد العراق والشام. هكذا تريد تركيا والإخوان وقطر وإيران.
من جانب آخر؛ شاهدنا المناظر المقززة لإرهاب مضاد من يميني متطرف من أستراليا، اقتحم مسجدين في نيوزيلندا وقت صلاة الجمعة، وارتكب مجزرة قتل فيها: (50 وأصاب 47)، من المسلمين، الذين كانوا يؤدون صلاة الجمعة. رحم الله هؤلاء الشهداء.
هذا المنظر الإرهابي البشع ضد المسلمين الآمنين، وذاك الآخر الذي يجند القتلة على الحدود بين مصر وليبيا، والخروج المذل لبقايا الدواعش في الباغوز، والحالة المزرية التي وصل إليها مئات آلاف الشباب العربي المسلم عبر بوابات الإرهاب بذريعة الجهاد؛ في القاعدة، ثم في داعش وبوكو حرام والنصرة وغيرها. هذه مع كل أسف؛ مشاهد تعكس لنا حالة العداء والكراهية التي أصبحت على أشدها ضد المسلمين من دواعش اليمين المتطرف في الغرب، وضد غير المسلمين من دواعش العرب والمسلمين.
من شاهد منكم بقايا الدواعش في سورية؛ ممن خرجوا إلى العلن متربين مقهورين وكأنهم يخرجون من أجداث، ومن بينهم شيوخ كبار، ونساء وأطفال؛ وحمقى يصرون على الانتحار وفق وصية شيوخهم الذين قادوهم إلى هذا المصير المزري، بينما ظلوا هم بين أولادهم وأسرهم ينعمون بحياة حرموها على هؤلاء المغفلين، الذين صدقوهم ورموا بأنفسهم في أتون محرقة لن تنتهي حتى تأتي على آخر واحد فيهم. من شاهد هذا؛ لا بد أن يتساءل: من المتسبب في كل هذه المآسي؛ سواء عند العرب والمسلمين؛ أم عند غيرهم من غير العرب والمسلمين..؟
إن لكل ما جرى ويجري متسببين، من مشيخات ومراجع دينية، هم من زرع الفتن، وغرس الكراهية المتبادلة بين الديانات والشعوب، وهم الذين ينبغي الالتفات إليهم، ومحاسبتهم، ومعاقبتهم جراء تأسيسهم للكراهية الدينية والشعوبية والعرقية، وتحريضهم وتغريرهم ودفعهم للشباب نحو القتل والتخريب، بفتاوى وفق مفاهيم خاصة بهم هم وحدهم. لن يُقضى على الإرهاب بالقضاء على أدواته فقط؛ بينما مشيخاته الضالة عاكفة على إنتاج المزيد من هذه الأدوات.
لا تَقْطَعَنْ ذَنَبَ الأَفْعَى وتُرْسِلَها
إِنْ كنتَ شَهْماً.. فأَلْحِقْ رَأْسَها الذَّنَبا
هُمْ جَرَّدُوا السَّيْفَ فاجْعَلْهُمْ له جَزَراً
وأَضْرَمُوا النَّارَ.. فاجْعَلْهُمْ لها حَطَبا