د. حمزة السالم
يهتم الساسة والاقتصاديون والإعلام في العالم العربي بالإسلام السياسي لأنه قوة تنفيذية قادرة على إفساد الحياة بجميع جوانبها السياسية والاقتصادية والإِنسانية. ولكنهم يتهاونون، بل يدعمون الإسلام الاقتصادي لأنه لا يملك القوة التنفيذية ومدعوم من رجال المال والبنوك، لأنه غير مطبق إلا على عامة الناس دون مستوى الدول والشركات الكبرى، (والتجار لا يتعاملون به إلا كمركب للأرباح أو وسيلة دعائية مجانية للشركات والتجار).
الإسلام الاقتصادي اليوم ما هو إلا مجرد صورة أو ترجمة ألفاظ اجنبية اقتصادية إلى ألفاظ شرعية، مع بعض من التنطع المتكلف المكلف اقتصاديًا والذي يدفع كلفته أفراد العامة من الشارع الإسلامي. ولهذا فهو يلقى دعمًا من غالب الدول تقريبًا، الإسلامية وغيرها. فأما غير الإسلامية فهم يرون فيه أرباحًا مجانية على حساب سذج -جهلوا دينهم- خارج أوطانهم أو أقليات في بلادهم لا يحسب لها حسابًا في موازين السياسة. وأما الدول الإسلامية فهم يظنون أنه وسيلة لإرضاء رغبات الشارع الإسلامي دون كلفة يتحملها التجار أو الحكومات. وكذا هو تصور رجال الدين الذين لم يتورطوا فيما يسمى بالاقتصاد الإسلامي وتوابعه، وهذا، في اعتقادي، تصور خاطئ.
فما يسمى بالاقتصاد الإسلامي وما يتبعه من صيرفية ونحوها قد أفسدت الفكر الاقتصادي الصحيح للعاملين في هذه المجالات واشغلتهم فيما يخلط عليهم فهم الأمور بصورة علمية. والإسلام الاقتصادي يزعم بأنه إسلامي وأن أطروحاته تبعًا للشريعة، وما هي كذلك. ولذا، فعندما يكتشف الناس بعد عقد أو عقدين أو أقل أو أكثر مدى الخطأ الذي كانوا يعيشونه بدعم من الحكومات والتجار وجماعة الإسلام الاقتصادي مع سكوت رجال الدين، عندها لن تقف الملامة على الدين ورجال الدين فقط بل ستلحق الحكومات في الجانب الأغلب منها.
ولا يتوقف ضرر الإسلام الاقتصادي على ما سبق. فالتحجير على الشارع اقتصاديًا إرضاء له بحجة الإسلام الاقتصادي، إنما هو تحجير للاقتصاد الكلي وظلم للشارع الذي يجهل الأمور الاقتصادية.
والشعوب العربية - جميعها لم تجرب تطبيق الاقتصاد العلمي الواقعي. فجميعها عاش معتمدًا على حكوماته سواء أكانت بترولية أو اشتراكية، ولذا يسهل خداعها بتحميل الملامة على حكوماتها وايهامها بأن واقعها المتخلف اقتصاديًا هو بسبب عدم تطبيق الإسلام الاقتصادي، وقد كان هذا هو المدخل الأقوى تأثيرًا في فوز الإسلاميين في الانتخابات في دول الثورات العربية.
يحذرون من الإخوان والإسلام السياسي، وما يسمى بالاقتصاد الإسلامي هو من صنائعهم وأحد أهم مداخيلهم ووسائلهم الإعلامية لترويج شعارهم السياسي «الإسلام هو الحل». وأطروحاتهم وكتبهم فيما يسمى بالاقتصاد الإسلامي ليست أحسن حالاً من حيث الواقعية والعلمية من حال أطروحاتهم السياسية، بل هي أسوأ حالاً بمراحل دينًا ومنطقًا وواقعًا وتطبيقًا.
مشكلة العرب الكبرى، أنهم يتبعون سياسة تجاهل معالجة المنابع وليس هذا فقط، بل ويزودونها بالتسهيلات والدعم، حتى إذا ما تجمعت المنابع وسار الطوفان وقفوا أمامه في عملية صد مكلفة إِنسانيًا واقتصاديًا.