الثقافية - محمد هليل الرويلي:
وها أنت في صِدرِكَ و وِرْدِك يا أعرابي آنِّ بيننا اليوم وبائن عزمك. تُرقّن المشهد في إماراتنا, بعد أن ودّعتَ الأشِقَّاء في الكويت رُوّاد الدّهشَة الخليجية. حَللتَ على دار عيال زايد. بعد أن عقلتَ قلوصك القمينة شرقيّ العاصمة أبوظبي, تنادى عليك القوم من ناديهم, يسعى جاهدًا الواحد منهم للإمساك بخِطَامها كما يمد يده إلى أطرف الخِرجْ يحطّهُ من عن ظَهرِهَا ويَشدّهُ نَحْوهُ, -إشارة للقوم أنك ضيفه- تعلوا نبرة صوته البدوية المغروسة لآخر متسع من إمارات الوفاء و أبعد أمادي الأصالة العريقة الضاربة بجذور طويلة بتاريخ الأرض: داري في إمارة من الإمارات أقْربْ, ومزارك لنا فيها أوْجبْ. ووالله يا ابن الجزيرة إنما هو الحب وما في الحب من تفسير أو عجب!
ألله الله .. يا أعرابي وابتسامتك المُفترَّة كشفَتْ عن ثنيّتكَ. نخالك ودَدْتَ أن تنقلها غراء زكيّة متجمّعة فتصافح بها سُمْرة وجوه القوم وأيمانِهم النّديّة, ونخالنا لو انْ ولجْنَا إلى جنانك وكشفنا عن رغبته؟ لما وجدناه سوى يقرع أجراس التمني أن لو يتقسّم صوب كل إماراتهم ويظل ماكثًا في دارهم, وأخالنا كذلك يا أعرابي نعلم علم الجازم من دون مشَكّة أو مظنّة أنك عقدت على أمر من أمرك؟ إذ ما كنت بغافل ولا متغافل من التطرق له, بعد أن علمت به من أكثر الشعراء والمثقفين الذين أشادوا به في جُل المدن العربية التي زرتها.. في هذا الجزء ستتناوله معك ونسلط الضوء نحوه ليكون ضمن صفحات نشر رقيم ودهاق الإمارات الأدبي. فحسك الصحافي يؤزك ويضور نار أضابيرك وأنت تجوب الفضاءات والعوالم الإبداعية وحدثوك عنه وها أنت اليوم في ديار عيال زايد, أمام عدة تجارب إبداعية ومن أبرزها وأهمها تجربة (الشعر الكبرى) التي ابتكرها (حاكم الشارقة والفكر والشعر), الذي ساود كل الحكام, وما آده من الحمل شيء وما أربثه دون إنشاء ألف بيت من بيوت الشعر, فارتقى الأمجاد المعترة وسط البيوت الدساكر العظيمة (بيوت الشعر) فتعدى بصداها الإمارة والإمارات, وطاف بالرأي المفترز الرشيد المصاف وتجاوز المفاوِز العربية والخرائط الإفريزية. سنحدثك يا أعرابي بشان هذه البيوت المسكونة بأمم وشعوب وقبائل جمعتها لغة واحدة ورسالة واحدة. فأطلقت في هذه البيوت أصوات حناجرهم المختومة بالقوافي عابرة بحور الشعر على أوزان مراكبه العربية. ومضت من هذه البيوت مزمّلة دثائر أصواتهم في فضاء الله..
هذه البيوت يا أعرابي أسسها صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي، حاكم الشارقة, ضمن مشروعه الكبير السّاعي إلى تعميم بيوت الشّعر على جُلّ المدن العربيّة. يتكفّلها بسخائه العربي الأصيل ووعيه الخلاق هذا الرجل التنويري ويوليها كل رعايته. سجل يا أعرابي في صحيفتك أنه قفز بالإبداع فوق أمجاد المدن العربية وضم إلى أمجادها القديمة العريقة أمجاد المستقبل. ولا غرابة فللقاسمي (حاكم الأدب) الحديث سحائب ماطرة موسومة بحب بلدان العرب. فأصابعه المورقة امتدت على كل خارطة الأراضي قل له يا أعرابي وأنت تدون برقيمك: شكرًا يا حاكم الثقافة والشعر لأنك موجود في هذا العصر, وشكرًا لأنك توسع الطرقات وتبني الجسور الشارقة في مدن العرب. وبعد يا أعرابي دعنا نستريح في تلك الصوالين الأدبية و نحدثك داخلها حول جانب السرد القصصي والروائي الإماراتي.
(بيوت الشعر الإماراتية) أعادت النابغة والمتنبي للحياة
حول التجربة الأهم عربيًا والأكثر عراقة وأصالة التي قبس روافدها لكل شعراء العرب على امتداد خرائط وجغرافية مدن الشعر كما نوهنا في المقدمة حاكم الشارقة صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي, ضمن مشروعه الكبير السّاعي الساعي إلى تعميم بيوت الشّعر على جُلّ المدن العربيّة. تحدث عن هذه البيوت مدير بيت الشعر في الشارقة «محمد عبدالله البريكي» وقال: بيوت الشعر نافذة العرب على مجدهم التليد يوم أن كان طعامهم اليومي هو الشعر، بيوت الشعر أعادت للنابغة عكاظ، وللمتنبي هيبته، وللبوصيري بردته، ولشوقي قيثارته، وللخليل بحوره، وللزمن العربي القديم لسانه الذي كان يزدهي فصاحة وبلاغة ورقة وعنفوانا، بيوت الشعر أعادت مؤخراً الناس للقصيدة، فصافحوها بود، وقبلوها بحنان، وناموا في سريرها المفروش بِالحَرير، وهو ما يجعلني أؤمن بأن دورة الزمان عادت، إذ ليس غريباً أن تجد مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة «بيوت للشعر» محرك الأمل في أن تعود القصيدة للبيوت وتجلس مع الناس في النادي والمقهى وفي رحلات السفر وقبل النوم وفي أوقات الاستجمام الفكري، فقد حلق ت بيوت الشعر في سماء الأقطار العربية وسط احتفاء كبير وصدى لافت، ما يؤكد أن الشارقة بفضل الله ثم بفضل رؤية سمو الشيخ سلطان الثاقبة هي مدينة الأدب التي تصدر الثقافة وتحتفي بالشعر الخالص، إذ تحققت هذه الرؤية من خلال فعاليات مستمرة وأنشطة متواصلة ومبادرات فارقة.
وأضاف: لمست شخصياً أثر مبادرة بيوت الشعر في أقطار الوطن العربي من خلال وسائل عديدة ومتنوعة، وخلال مشاركتي في مهرجان عكاظ في دورته العاشرة بمدينة الطائف كانت جل الجلسات التي شاركت فيها تتطرق لهذه المبادرة وأهدافها وأين وصلت وماذا حققت ومدى الاستفادة منها وهل هي متسقة في تنفيذها مع رؤية الشارقة الثقافية التي رسمها حاكم الشارقة وهل حافظت البيوت على الشعر العربي وإرث الأمة العربية واهتمت بالشباب الذين يتطلعون إلى أن يبقى ديوان هذه الأمة ماءً عذًبا وواحة عامرة بالجمال تعبر عن ثراء اللغة ورنين الحرف الذي يغذي الذائقة ويهز الشعور ويطرب الوجدان؟.
وتابع: ومن منطلق محبته للثقافة والشعر وإدراكه لأثر القصيدة في نفوس أبنائها آثر دعم الثقافة والشعر من منطلق إيمانه العميق بالجذور العربية التي أسست لجمال الشعر، وهيأت كل الظروف لكي يكون في الصدارة آنذاك، وكلنا لمسنا أثره، إذ وصل بمكرمته هذه طيور الشعر التي تبحث عن مأوى ظل شجرة, ينبوع ماء, غدير, غيمة هاربة, سماء غارقة في الحلم، وها هي منابر الشعراء تتعدد في الأقطار العربية، تحلق بهم وتمضي معهم إلى آخر الحلم. ومنذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها سموه عن مبادرته والشعراء العرب بادروا إلى التعبير عن فرحتهم وامتنانهم بها، خصوصا أولئك الذين تعبوا كثيرا في البحث عن منبر حقيقي وفاعل للقصيدة العربية بعد أن ابتعد بعضهم عن الساحات الشعرية، وعاشوا غربة الهوية من خلال دخولهم في أحلام زائفة جعلتهم ينبهرون بما فيها وينسون أن الشعر العربي يموج بالجمال والحكم والأمثال وقد قال المتنبي:
كل حلمٍ أتى بغير اقتدار
حجةٌ لاجئٌ إليها اللئامُ
وزاد: إن الغرب يعترف بقيمة أدبنا العربي وفضله ويقول تومسون «إن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربيِّ أوربا بالمعرفة العلمية العربية وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك.»
وأثبت أبو تمام حقيقة الشعر وأثره في المجتمعات بقوله:
ولولا خلالٌ سنّها الشعرُ ما درى
بُناةُ العلا من أين تـُؤتى المكارمُ
شارقتها حاضنة ثقافتها
وحين أعلن عن المبادرة والهدية الغالية للشعر إنما يهدف إلى أن يكون للشعراء بيت يأوون إليه ويلتقون من خلاله لعرض نتاجهم الأدبي والتواصل المستمر وذلك من خلال إنشاء بيوت للشعر على غرار بيت الشعر في الشارقة، وأن تكون إمارة الشارقة حاضنة للثقافة لأنه ومن خلال متابعته المستمرة للمشهد الثقافي شعر بأن الثقافة تعيش معاناة حقيقية، وأن المثقف الحقيقي والشاعر الفذ يعاني عزلة في جوانب مختلفة تسهم في تقديم أنصاف الموهوبين، وأن الشعر العربي إرث الأمة العربية في حاجة إلى مبادرات جادة تعيد الوهج وتمد الأدب بأوكسجين الحياة.
قراءة في المشهد السردي الإماراتي
وفي قراءة للمشهد السردي في الإمارات أوضح الدكتور «يوسف حطيني» جامعة الإمارات: أن النثر الحكائي الإماراتي المكتوب (مسرحية، رواية، قصة قصيرة، وفيما بعد: قصة قصيرة جداً) ظهر في وقت متأخر نسبياً، مقارنة بظهوره في مختلف أرجاء الوطن العربي، وذلك يعود إلى تأخر حركة التعليم وظهور الصحافة. غير أنّ الطفرة التي حدثت في الإمارات العربية المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين لم تمسّ الاقتصاد فقط، بل شملت الصحافة والكتابة؛ إذ انتعشت الصحافة بسرعة، وتمكن المثقفون من الاطلاع على الآداب العربية والأوروبية والأمريكية، ومحاكاتها فيما بعد بأنماط محليّة. وقد أدى ذلك إلى ظهور مجموعات قصصية، وروايات إماراتية، رفدت الأدب العربي الحديث. وعلى الرغم من أنّ الزمن لهذا الأدب الذي نسعى إلى تأطيره قصير جداً, وأنّ التقسيم فيه شيء من التعسف بسبب تداخل المراحل فيما بينها، إلا أنه يمكننا أن نقسم النثر الحكائي الإماراتي مجازاً إلى ثلاث مراحل تاريخية قام بها ثلاثة أجيال: جيل مؤسس تمسّك بتقليدية البناء الفني، وجيل وسيط اطلع على تجربة المؤسسين، وبحث عن مضامين معاصرة، وجيل جديد حاول التعبير عن قلق الإنسان في العصر الحديث.
اهتم السرد بالزواج من الأجنبيات وتدفق العمالة الوافدة
وبين «حطيني»: أن النثر الحكائي الإماراتي وخصوصًا (الرواية والقصة القصيرة) قد عبر عن مظاهر مختلفة في المجتمع، بمواطنيه ووافديه، وعن موظفيه المحليين وكذلك عمالته الأجنبية. كما شُغل إلى حدّ ما بما هو خارج عن حدود هذا المجتمع، إذ ثمة قصص عالجت القضية الفلسطينية وغيرها.. ويمكن أن نجمل موضوعاته فيما يلي: روايات وقصص تناولت قضايا المجتمع الإماراتي من زوايا مختلفة. فظهرت مشكلة الزواج من أجنبيات، وظهرت قضايا المرأة من زوايا متعددة، وإن بدا موضوع المرأة غائباً في البداية، ثم شائكاً قبل أن يتخذ منحى طبيعياً يَعُدّ حضور المرأة أمراً لازماً في مجموع المشهد السردي. ويشار إلى أنّ شخصية المرأة كانت نادرة في البداية حتى عند الكاتبات أنفسهنّ، لكنّ القصة القصيرة والرواية كسرتا قيد الموضوع شيئاً فشيئاً، فصارت هناك أعمال سردية وافية في الموضوعات المختلفة التي تهمّ المرأة وقضاياها المختلفة. وثمة إشارات متعددة في المشهد السردي الإماراتي إلى سيادة الفهم النفعي للحياة، إذ أصبح القارئ يطالع صورة العقوق وغلاء المهور والصراع على الإرث ... إلخ، ويقرأ مشاكل الشباب المختلفة. كما اهتمّت الروايات والقصص الإماراتية بالمشاكل الاجتماعية الناجمة عن تدفّق العمالة الوافدة غير العربية، ووقفت منها مواقف متناقضة، إذ ثمة من وقف إلى جانب هذه العمالة، ودافع عنها، بوصفها ضرورة تسهم في بناء الإمارات الحديثة، وثمة من اكتفى بمهاجمة النواحي السلبية لحضورها، فبرزت موضوعات مثل ما تفعله بعض العاملات الوافدات من أعمال دعارة مقنّعة في بعض محلّات التدليك وغيرها.. وما يجرّه المتسللون إلى الإمارات بطرق غير شرعية من مشاكل. كما اهتم المنجز السردي الإماراتي، والقصة القصيرة بشكل خاص، بالقضية الفلسطينية، إذ نجد قصصاً لامست شغاف القضية، على تفاوت في المعالجة الفنية، بين قاص قدّم قصة رمزية معبّرة، وقاص لم يرَ في الانتفاضة الفلسطينية إلا الحجارة.
وفيما يتعلّق بالبناء الفنّي أوضح «حطيني»: يمكن أن نشير هنا إلى مجموعة من الملاحظات حول كيفية الاشتغال على عناصر السرد، لنقرّر أنّ المنجز السردي الإماراتي يحقق مجموعة من الخصائص، يمكن أن نجملها: على صعيد الفضاء السردي تبرز خصوصية المكان الجغرافي الإماراتي ذي الاتساع اللافت، وتأثيثه بالأشياء والألوان والأصوات والروائح، كما تظهر التقاطبات الثنائية التي تتشكل من تجاور الأمكنة المتضادة في النصوص السردية، إضافة إلى المكونات المكانية ذات البعد الدلالي الشائع كالبيت والمدينة والبحر والصحراء. وعلى مستوى الزمن السردي ثمة تطوّر لافت في التعامل مع ثلاثية الزمن (الماضي والحاضر والمستقبل)، إذ تمت الإفادة في الرواية الجديدة بشكل خاص، من تقنيات الأداء الزمني استرجاعاً واستباقاً، ومن سرعة السرد وبطئه، بالإضافة إلى الإفادة من علاقة زمن السرد بموضوعه في النصوص السردية.
أما على مستوى صعيد الحكاية, فقد انتقلت القصص والروايات الإماراتية من بدايات سردية تقوم على تقديم الحكاية تعاقبياً، إلى الإفادة من التلاعب الزمني، والبدء من النهاية أو الوسط واختزال الزمن، كما نرى في بعض التجارب اللافتة، وأفادت من استثمار الوسائط الحكائية المتعددة (من أحلام ورسائل واعترافات ووثائق...) في تقديم حكاية واقعية أو تخيّلية. أما على صعيد التعامل مع الشخصيات القصصية والروائية فقد برزت إشكالية العلاقة بين السارد والمؤلف، وحصل كثير من التداخل بينهما في البداية، كما انشغل المؤلفون بتقديم شخصيات نموذجية بشكل عام، ولم يلجؤوا في المرحلة الأولى إلى تفريد الشخصية، غير أنّ تطور السرد سمح للشخصية الرئيسية بالتفرّد، وصار لها بناء نفسي أكثر تعقيداً، بينما ما تزال الشخصيات الثانوية تُعرض من خلال نمذجتها؛ إذ يمكن للقارئ توقّع ردود أفعالها. ومن هذه النماذج نموذج (الأب، والعامل، والأم، والأنثى المستسلمة، والمتمردة). أما على مستوى لغة السرد, فبدأت بلغة مباشرة تهتم بتقديم الحدث بشكل مباشر، أو إنشائية تحلّق في كثير من الأحيان خارج سرب الحكاية، تطورّت لاحقاً لتضع المجازي في خدمة الحكائي، كما حملت بعداً اجتماعياً لافتاً تجلّى في المفردات والتراكيب الشعبية والعادات والمحفوظات.
وبين «حطيني» أن التطوير المستمر للأدب السردي الإماراتي ينطلق من العمل على خلخلة النظام الصارم لبنيته بعد استيعابها، وهذا لا يعني العبث بقواعد اللغة أو أساسيات الحكاية وعناصرها بل العمل داخلها لإنتاج نص مختلف يكثّف الزمن ويختصر حدود المكان ويسمح للاسترجاعات أن تحضر بدلاً من التعاقب، ويسمح للنجوى أن تحلّ محلّ البناء الخارجي للشخصية، وذلك من أجل لإنتاج سرد يجتاز عتبة التقليد نحو الإبداع. ويمكن ها هنا أن نشير إلى السرد الإماراتي جاوز مرحلة التقليد والتأسيس، وقدّم تجارب لافتة جديرة بالانتباه، وهو يسعى بدأب إلى تقديم تجارب أخرى، كي يحتل مكاناً لائقاً في المشهد السردي العربي.
الرّواية في الإمارات الآن
وتطرق للمشهد الروائي الإماراتي على وجه التخصيص الدكتور «سمر روحي الفيصل» مؤكد أنها تمرّ الآن بمرحلة انتقاليّة، بعد أن كادت البدايات الأولى فيها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وخصوصاً التّخلّي عن الموضوعات المرتبطة بالماضي البعيد قبل اتّحاد الإمارات في سبعينيّات القرن العشرين، كال غوص وحياة الحلّ والتَّرْحال وسطوة العادات والتّقاليد وقسوة الحياة، وما إلى ذلك من موضوعات مقدَّمة بشكل فنّيّ تقليديّ ذي حُبْكة تاريخيّة، وعَرْض مباشر للحوادث والشّخصيّات، وتحديد عامّ للزّمان والمكان. وقال: قد قاد مرحلة البدايات روّاد ذكور لم تكن لهم سابقة في كتابة القصّة القصيرة في الغالب الأعمّ، كراشد عبد الله النُّعيمي في (شاهندة- 1974)، وعبد الله الناوري في (عنق يبحث عن عقد- 1978)، و محمّد عبيد غباش في (دائماً يحدث في اللّيل- 1979)، وعلي أبو الريش في (الاعتراف- 1982)، وعلي محمّد راشد في (جروح على جدار الزّمن- 1982)... والكثرة الكاثرة من هؤلاء الرّوّاد كتبت رواية واحدة ثمّ توقّفت عن الكتابة الرّوائية، ما عدا علي أبو الرّيش وعلي محمد راشد اللّذين استمرّا في الإنتاج الرّوائيّ في ثمانينيّات القرن العشرين وتسعينيّاته، فأصدر أوّلهما بعد الاعتراف: السّيف والزّهرة، ورماد الدم، وتل الصنم، وثنائية مجبل بن شهوان، وسلايم... وأصدر ثانيهما بعد جروح على جدار الزّمن: عندما تستيقظ الأشجار، وساحل الأبطال، ورحلة في عالم مجهول، ولكنّه توقّف بعد ذلك، في حين استمر علي أبو الريش في الإنتاج الرّوائيّ، حتّى أصبح أكثر الرّوائيّين الإماراتيّين شهرة وغزارة في الحقل الرّوائيّ.
ظهور العنصر النِّسويّ وتخليه عن الأسماء المستعارة
وأضاف الفيصل: يُخيّل إليّ أنّ العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين أسدل السِّتار على البدايات الأولى، ونقل الرّواية إلى العنصر النِّسويّ، حتّى إنّ الرّوائيّات الإماراتيّات، ابتداءً من سارة الجروان وباسمة يونس اللّتين أصدرتا روايتين في بدايات تسعينيّات القرن العشرين، عُدْن إلى السّاحة الرّوائيّة في نهايات العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، بعد تخلّي الأولى عن الاسم المستعار (حصّة جمعة الكعبي)، وترسيخ الثّانية قدميها في القصة القصيرة والمسرحيّة. ولكنّ روائيّات أخريات دخلن في أثناء ذلك الحقل الرّوائيّ، دون أن تكون لهنّ، في الغالب، تجربة في القصّة القصيرة. حتّى إنّ الأديبات اللّواتي رسختْ أقدامهنّ في القصّة القصيرة قبل دخولهنّ الحقل الرّوائيّ، كأسماء الزّرعوني، كُنَّ قلّة قليلة قياساً إلى أديبات أخريات دخلن حقل الرّواية قبل حقل القصّة القصيرة غالباً، كفتحيّة النّمر وفاطمة المزروعي وميسون صقر القاسمي ورحاب الكيلاني ومريم الغفلي وفاطمة الحمادي.
لقد نجحت الأديبات الإماراتيّات في نهاية العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين في السّيطرة على السّاحة الرّوائيّة، كما فعلن، من قبلُ، في السّاحة القصصيّة. ولكنّ الرّواية الإماراتيّة شرعت الآن تُعيد التّوازن إلى الحقل الرّوائيّ بين الرّوائيّين والرّوائيّات. وروّاد هذه المرحلة الانتقاليّة الآن روائيّون شبّان غالباً، كخالد الجابري وهدى سرور وسعيد البادي وعبد الله النّعيمي ولولوة المنصوري، وكأنّ مسيرة الرّواية الإماراتيّة تشهد اليوم مجموعة جديدة من الرّوائيّين والرّوائيّات، سيجعلون الرّواية الإماراتيّة تشهد في السّنوات القليلة القابلة نوعاً من التّوازن والازدهار والارتباط بالحياة الحديثة.
الصالونات التي تقص
وتناولت الروائية والكاتبة «إيمان اليوسف» دور الصالونات الأدبية التي تقص في الإمارات في ترفيد الحركة الإبداعي منطلقة من التجربة التي عاشتها خلال الملتقى الأول للصالونات القرائية المُخصص من قِبل رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان - حفظه الله- فقالت: تعرفت يومها على عدد من الصالونات القرائية التي لم أكن أعلم بوجودها كما تعرفت على نشاطات الصالونات ومبادراتها والتي تدعو للفخر الشديد كصالون أسماء صديق المطوع وملتقاها الأدبي، ومزنة الشيخ ورقية عبدالله عن صالون بحر الثقافة، وموزة مبارك القبيسي عن مجلس شما بنت محمد للفكر والثقافة، وإبراهيم خادم عن مؤسسة الإمارات للآداب، وجمال الشحي عن صالون كتاب الثقافي، وغيث الحوسني عن نادي أصدقاء نوبل، ورولا البنا المزيني عن استراحة سيدات، ومها شاكر عن نادي اقرأ، وعبدالله بن ديماس وأسماء المدني عن الصالون الأدبي المتجول، ومحمد حسن المرزوقي عن صالون الأدب الروسي، وداليا فؤاد عن مؤسسة نادي الراويات.
وبينت «اليوسف»: أنه تتعدد أنشطة وأعمال وبرامج الصالونات القرائية كالتي مضى على إنشائها أكثر من عشرين عامًا «كصالون الملتقى الأدبي التي تقيمه السيدة أسماء المطوع», كما تمكنت الصالونات الحديثة من بلوغ أرفع مراتب النجاح من خلال نشاطها المميز في المشهد الأدبي والثقافي الإماراتي، مثل استراحة سيدات الذي بدأ عام 2015 وانطوى عام 2016 كإحدى مبادرات مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وهناك استراحة سيدات، الذي بدأ لتمكين المرأة وحثها على القراءة وعلى إبداء رأيها. كما تختلف الصالونات القرائية أيضاً في كيفية تواجدها ووصولها لأعضائها كالوجود الافتراضي لنادي أصدقاء نوبل على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى موقع القودريدز.
لقد تفاجأت بدرجة التنوع والاختلاف التي تطولها الصالونات القرائية في توجهها وفعالياتها، إذ تمتد إلى تجربة كتجربة «العتمة المبهرة» كما في صالون الملتقى الأدبي. إذ تم محاكاة المكفوفين بالاستعانة بأخصائية يابانية والإعلامي الإماراتي المتميز أحمد الغفلي وعن طريقها تم تجربة القراءة بلغة بريل والمسموعة.
القراءة من قمة (برج خليفة)
كما أن هناك آخر قامت بتطبيقها مؤسسة الإمارات للآداب «القراءة من القمة» إذ يروي إبراهيم خادم أنهم عرضوا على المشتركين حمل كتبهم والقراءة في أعلى قمة في العالم مقابل تذاكر تقدمها المؤسسة لصعود برج خليفة.
وأكدت اليوسف أن للصالونات القرائية فائدة في تعرض الكاتب للوجه الحقيقي للنقد، دون رتوش أو زينة أو مجاملة. وهذا ما حدث معي في مناقشة روايتي «حارس الشمس» الفائزة بالمركز الأول في جائزة الإمارات للرواية عام 2016 عبر مناقشات عدة مع عضوات استراحة سيدات. أتذكر أني سُعدت حين قامت إحدى العضوات بكتابة نهاية مغايرة للرواية حسب تخيلها. كما حدث أمر مشابه مع الصالون الأدبي المتجول. رواه عبدالله بن ديماس: أنه وأعضاء الصالون في إحدى مناقشات كتاب حليب أسود للكاتبة التركية أليف شافاق سألهم أحد الحضور بضع أسئلة تقع في مجال ترجمة الكتاب وتفاصيل لغته. استغرقت المجموعة في حوار أدبي صريح وشيق، والمدهش في الأمر أنهم صُدموا حين عرف في آخر الأمسية هذا الضيف نفسه بأنه أحمد العلي مترجم كتاب حليب أسود!