رمضان جريدي العنزي
الخيانة قبح وعيب ورذيلة، والخائن ممقوت وذميم وشائن، أخلاقه وضيعة، وسلوكه قبيح، ومناقبه كلها رداءة ودناءة، الخيانة جريمة وفساد، وقلة مروءة، وتدني حياء، وصفة من أبشع الصفات، بل أقذرها أقبحها وأرداها، ومناقضة للأخلاق الحميدة والتربية والمسؤولية والاستقامة والقوام، والخائن لا يبالي بسمعة، ولا يهتم لكرامة، ويجيد نقض العهود والمواثيق والتحالفات، واللعب بمهارة على حبال الخداع، والخيانة من صفات المنافقين، والمتلونين، والذين في قلوبهم مرض، والذين لا يحبون سوى الذات والأنا والمصلحة الضيقة، للخيانة رائحة نتنة تزكم الأنوف، وترتعد منها الفرائض، ويتفطر لها القلب، ويقشعر منها البدن، والخائن ليس فارساً، ولا نبيلاً، بل جبان وانتهازي وجشع، متقلب وأناني وصاحب غدر وحيلة، ما عنده صدق ولا موقف ولا مبدأ ولا وفاء، يتقلب في المواقف حسب المصلحة والابتغاء والطلب، والخائن لا يكتفي بالخيانة الواحدة، بل هي عنده عادة مستمرة، وسيكولوجية دائمة، الرغبات السيئة تتنازعه بشكل لحظوي، وعنده قدرة فائقة في بيع الثمين بالرخيص، والمبادئ بالتراب، والمواقف عنده رخوة ومائعة، والخائن يحتقره أصحاب اللب والحكمة والعقل، والنبلاء الفرسان، لأنه ذليل، حتى وأن أسدى العون والمساعدة والمساندة، وصار المرشد والدليل، تماماً مثلما حدث مع نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي الذي خاض معارك عديدة بشرف الفارس ونبل الإمبراطور، إلى أن استعصت عليه النمسا وخرج منها بهزيمة فادحة في معركة آسبرن التي خاضتها جيوشه ضد الجيوش النمساوية، وذلك بسبب وعورة المنافذ الجبلية، فبّدل الإمبراطور من خططه النزالية إلى خطط استخبارية، وأمر جنوده بالبحث عن جاسوس يساعدهم على اقتحام المنطقة، وبعد أن طال البحث واشتدت مرارة الهزيمة هيأ لهم القدر خائنًا بامتياز وهو رجل نمساوي يشتغل بالتهريب، ويعرف الحلقة الأضعف في الحدود النمساوية، فدل الجيوش الفرنسية إلى الطريق المثالي لاقتحام المنطقة التي لم تكن محصنة إلا بجيش من كبار السن ينقصه العتاد والعدة لكونهم يرابطون في منطقة قل من يستطيع الوصول إليها، كانت هذه الخيانة والمعلومات الذهبية مقابل حفنة من المال، وعندما تم النصر لنابليون، بفضل هذه المعلومة القيمة، أراد ذلك الدليل مصافحة الإمبراطور نابليون بونابرت الذي رفض مصافحته وألقى إليه صرة من المال قائلاً: (يد الإمبراطور لا تصافح الخونة) وإزاء استغراب جنوده من تصرفهال لهم: (الخائن لوطنه كالسارق مال والده ليطعم به اللصوص، فوالده لن يسامحه واللصوص لن تشكره) إن الخائن في الدرك الأسفل مبادئاً وأخلاقاً وسلوكاً وتعاملاً، وليس له محب ولا نصير، مراوغ مثل ثعلب، وبشع مثل ضبع، ومر مثل حنظلة، إن الخيانة صفة مذمومة، تنكرها الفطرة السليمة، ولا تقبل بها حتى الحيوانات التي لا عقل لها، إن الله جل في علاه لا يحب الخائنين لهذا قال في محكم كتابه الكريم: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ). إن نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم أيضاً استعاذ من الخيانة لهذا قال: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة)، وللخيانة صور تختلف بشاعتها وجرائمها باختلاف آثارها، ولها أشكال عديدة قبيحة وكريهة، تثير الفزع والتقزز، وتدعو للنفور، إن الخيانة تصيب كل عاقل مدرك واعٍ بالتوتر والحنق والسخط والغضب، لأنها مضادة لكل الصفات الحسنة والنبل والمروءة والرجولة، وهي كارثة الكوارث، ومصيبة المصائب، تضر بالناس، تفتن الأفراد، وتفرق الأصحاب والجماعات، وتضر بالأوطان وتفتك بها، وأصحابها أبالسة وشياطين، يجيدون التدليس والتلبيس والتلون والتأليب والمراوغة والزيف والخداع.