زكية إبراهيم الحجي
لو اختلَّ الحساب الدقيق ما بين الشمس والقمر أقلَّ اختلال لاختل نظام الكون واختل نظام الحياة.. إذاً ما معنى أن تشرق الشمس في لحظة محددة وتغرب في لحظة محددة وفي بقعة معينة من الأرض لتشرق وتغرب في لحظة معينة على جانب آخر من الكرة الأرضية.. الشمس والقمر لم يخلقهما الله عز وجل عبثاً بل لحكمة بالغة فالشمس للتوقيت اليومي والقمر للتوقيت الشهري.. فسبحان من جعل الشمس والقمر لا يُخلفا موعدهما والمثل يقول: الوقت لا ينتظر والبشر تنتظر.
المقدمة السابقة دعتني إلى طرح سؤال يتعلق بنا نحن العرب بالذات.. ترى ماذا يعني أن يجلس أحدهم على طاولة في مقهى مثلاً ويأخذ في العبث بمفاتيحه أو يضع أحد كفيه على خده ينتظر شخصاً بينهما موعد محدد على سبيل المثال الساعة العاشرة صباحاً تماماً وتأخر كثيراً عن الموعد المحدد أو لم يأتِ نهائياً وبالتالي لم يكلف نفسه عناء الاتصال والاعتذار.
لعلي لا أكون مخطئة إنْ قلت: واقعنا يشهد بأننا من أكثر شعوب الأرض حرصاً على اقتناء أفخر ماركات الساعات وأغلاها سعراً بل البعض لا يكتفي بواحدة وربما يتفاخر بتعددها وتنوع ماركاتها العالمية.. كذلك نحن أكثر شعوب الأرض اهتماماً بتعليق الساعات على جدران غرف منازلنا حتى مكاتبنا لا تخلو من الساعات تبهر من ينظر إلى شكلها وحجمها لا إلى عقاربها.. ومع ذلك نحن أكثر شعوب الأرض تساؤلاً بين الفينة والأخرى (كم الساعة الآن) سؤال يُطرح على أحدنا أو نطرحه على الآخرين.. فهل ذلك حرص منا على احترام الوقت وبالتالي التزام الدقة في المواعيد؟ فما أثمن ساعاتنا وأرخص أوقاتنا.
الشعوب العربية من أكثر شعوب الأرض تهاوناً في الالتزام بالمواعيد واحترام الوقت.. وأكثر شعوب الأرض تفنناً في خلق حجج واهية وأعذار منمقة يُستعان بها لتبرير عدم الالتزام بالمواعيد بينهم وبين الأطراف الأخرى سواء على مستوى العلاقات الاجتماعية.. أو على مستوى الحياة العملية والعلمية. أعذار متكررة جعلت من قيمة الوقت تائهة ما بين (الساعة غير مضبوطة.. زحمة الطريق.. السيارة تعطلت راحت علي نومة.. نسيت الموعد.. الخ).
فإذا كان الوقت هو أغلى وأثمن ما يملكه الإنسان.. وإذا كان للوقت قيمة حضارية لا تقدر بثمن واحترامه والالتزام به مبدأ ضروري في حياتنا لأنه الظرف الزمني الذي نؤدي فيه أنشطتنا وننجز فيه أعمالنا ونتواصل من خلاله مع الآخرين.. وإذا كانت اللافتات التي تزين جدران المكاتب العامة والخاصة وتشير عباراتها إلى (الرجاء الالتزام بالمواعيد المحددة.. فإن الكثير أسقط معيار الزمن من حياته وبات بعيداً كل البعد عن كل المبادئ والقيم القائمة على احترام الوقت والساعة التي يزين بها معصمه ما هي إلا وجاهة أمام عيون الآخرين حتى ولو كانت عقاربها متوقفة).