عماد المديفر
بعد أن توصل قرونيق ورفاقه لنماذجه الأربعة، التي تناولتها في المقالتين السابقتين -ويمكن الرجوع إليهما عبر الرابط الإلكتروني لأرشيف المقالات الذي يوفره موقع الجريدة على الإنترنت- من خلال مشروعهم البحثي الضخم؛ المطبق في بلدان وصفها قرونيق بأنها ذات ثقافة (إنجلو-أمريكية)، وقصد بها بريطانيا وكندا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عملوا على توسيع نطاق تطبيق دراساتهم، فأتموا مسح 300 منظمة لتحديد طبيعة ممارستها للعلاقات العامة، وأجروا استقصاءً على 5000 من القائمين على البرامج الاتصالية في المنظمات المختلفة ضمن مشروعهم في البحث عن مواصفات الامتياز في العلاقات العامة؛ حيث أراد قرونيق اختبار النماذج في بلدانٍ أخرى، سيما وأنه يرى أن الظروف التي تحيط بممارسة العلاقات العامة في بيئة مجتمع الدراسات السابقة في مرحلة العشر سنوات الأولى من مشروعه نحو الامتياز، قد لا تكون موجودة في دول وثقافات مغايرة، ما يعني أنه لربما يتوصل من خلال تحليل تطبيقات الممارسة في الدول والثقافات المتنوعة الأخرى إلى نماذج قد تكون مختلفة تماماً عن النماذج الأربعة.
وقد كانت بداية التوسع خارج هذا النطاق حين عمل وتلاميذه على إجراء دراسة تحليلية لممارسات العلاقات العامة في ثلاث دول مختلفة الثقافة، والنظم السياسية: الهند، واليونان، وتايوان، ومن خلال هذا البحث، توصل قرونيق وتلاميذه لنموذجين آخرين، هما: نموذج «التأثير الشخصي» الذي وجد بدايةً في الهند، ونموذج «المترجم الثقافي» الذي ظهر في اليونان، ثم كرروا اختبار النماذج في دول أخرى وأثبتوا تكرر وجودها بالفعل في ممارسات مختلفة الثقافة، لتصبح بذلك ستة نماذج. ويرى فريق البحث بأنه على الرغم من أن هذين النمطين قد يبدوان كنموذجين جديدين، إلا أنهما على الأرجح يمثلان اختلافات في نمط الممارسة من داخل النماذج الأربعة الأساس، ولا يخرجان عنها.
ويقوم نموذج «التأثير الشخصي» في العلاقات العامة، الذي تم تطويره بالأساس عن طريق الباحث سيرامش، على فلسفة مفادها أن نجاح العلاقات العامة يتأثر بشكل كبير بشبكات العلاقات الشخصية. فمن خلال هذا النموذج، يحاول الممارسون للعلاقات العامة إنشاء علاقات شخصية -وصداقات قوية إن أمكن- مع الأفراد الفاعلين، ذوي النفوذ والتأثير الرئيس، في وسائل الإعلام، والحكومة، أو داخل الجماعات السياسية والناشطة. وهو نموذج اتصال غير متوازن، وغالباً ما يتضمن ممارسات غير أخلاقية. بيد أن الباحثين لاحظوا أن هذا النموذج يمكن أن يكون ناجحاً في تحقيق أهداف ومصالح المنظمة بفاعلية في المجتمعات ذات الثقافات المتزمتة والجامدة، ذات الأنظمة السياسية الاستبدادية، وفي تلك الدول التي لا يتم فيها التعبير عن الرأي العام بشكل جيد في وسائل الإعلام، وحيث المسؤولين الحكوميين هم الجمهور الأكثر أهمية لرسائل العلاقات العامة. وقد وجد قرونيق وباحثون آخرون أن هذا النموذج يرتبط بنموذج قديم حول تأثير العلاقات الشخصية يعرف باسم «Favor Bank» الذي يرمز إلى بناء العلاقة مع الشخص الأكثر قوة.
ويستخدم نموذج «التأثير الشخصي» عادة عند تشكيل جماعات الضغط lobbying والعلاقات مع الوسائل الإعلامية، حيث يستخدم ممارسو العلاقات العامة العلاقات الشخصية والصداقات الخاصة لتسهيل عملية التواصل وتعزيز فاعليتها. وقد جرى تعريف نموذج «التأثير الشخصي» على أنه «علاقة مقايضة بين ممارس العلاقات العامة والأفراد ذوي المواقع أو المناصب الإستراتيجية من الموظفين الحكوميين أوالإعلاميين وموظفي الضرائب». وقد وجد قرونيق وتلاميذه أن نموذج التأثير الشخصي في العلاقات العامة يستخدمه الممارسون في تايوان واليونان أيضاً، كما أنه موجود في الولايات المتحدة؛ كمعزز ثانوي وليس كنشاط أصيل، وأنه أقل انتشاراً فيها إذا ما قورن بانتشار ممارسته في الهند مثلاً. وقد خلق هذا النموذج بعض الحرج والارتباك عند علماء العلاقات العامة والمتخصصين فيها، إذ جعل من الممارسين الذين لا يتمتعون بالتخصص بقدر ما يتمتعون بالقدرة على بناء شبكة علاقات شخصية مع أصحاب النفوذ، جعل منهم أكثر فائدة وفاعلية، ويتقلدون المواقع الأهم والأكبر في المهنة من الكفاءات العلمية المتخصصة في العلاقات العامة. وقد جادل قرونيق بأن هذا النموذج ليس دائماً نموذجاً غير متوازن، يسعى لتحقيق مصلحة المنظمة على حساب مصلحة الجماهير، بل قد يكون أيضاً نموذجاً متوازناً متى ما كان هدف القائم باتصال العلاقات العامة تحقيق مصلحة المنظمة والجمهور معاً.
أما نموذج «المترجم الثقافي» فقد اكتشفته أنستازيا ليرا Lyra عند تطبيقها الدراسة على شركة متعددة الجنسيات في اليونان، حيث لاحظت استخدامه ليقوم بعملية شرح الثقافة المحلية للإدارة في المنظمات متعددة الجنسيات، وقد وجد قرونيق أن نموذج المترجم الثقافي ليس سوى مكون مركب من النماذج الأربعة الأخرى. وقد وصف هو وتلاميذه الطرق التي يمكن أن يستخدم من خلالها المترجم الثقافي للوصول إلى أهداف كل من النماذج المتماثلة وغير المتماثلة في اتجاهين، إذ قد يستخدمه النموذج غير المتماثل لمعرفة ما هو مقبول لدى الجمهور ومن ثم تصميم رسالة المنظمة لاستئناف بث الرسائل وفقاً لهذه التوقعات، كما يمكن استخدام المترجم الثقافي كعنصر في النموذج المتماثل لتسهيل التفاهم بين المنظمة والجماهير المتنوعة. وتوقع قرونيق وجود هذا النموذج بشكل عام في الشركات متعددة الجنسيات وفي المنظمات التي تقوم بأعمال تجارية في بلد آخر، وتتطلب شخصًا يفهم اللغة والثقافة والعرف والنظام السياسي للدولة المضيفة. كما توقع أيضًا أن يكون نموذج المترجم الثقافي موجودًا في المنظمات المحلية، التي تعمل في بيئة يتوفر فيها مجموعات ثقافية متنوعة. وأضاف أن شركات العلاقات العامة الدولية التي لديها مكاتب في العديد من البلدان المختلفة عادة ما تستأجر مواطنين من تلك الدول لتوظيفهم في مقارها داخل بلدانهم، وبالمثل في الولايات المتحدة، تقوم الشركات الأجنبية بتوظيف الأمريكيين للعمل في مجال العلاقات العامة.