د. حمزة السالم
كانت تدرسنا عجوز أمريكية اللغة الإنجليزية، وذلك قبل حادث سبتمبر. وكانت العجوز لا تخفي كراهيتها للمسلمين وحبها لليهود رغم أنها نصرانية ملتزمة. فسألتها عن هذا، فنحن نبجِّل عيسى وأمه عليهما السلام ونؤمن به، بينما يزعم اليهود أنهم قتلوه وصلبوه، وأنهم كذّبوه واتهموا الطاهرة مريم عليها السلام بالفاحشة، ويعتقدون أنكم أنتم وغيركم من الأمم أقل قدراً ولا حظ لهم في الدنيا ولا في الآخرة، وهو دينهم الذي يدينون به إلى اليوم! فأجابت العجوز، نعم، ولكنهم لا يدعوننا إلى دينهم ولا يتدخلون في شؤون حياتنا ولا يفرضون، بل ولا حتى يقترحون تطبيق نمط حياتهم واعتقاداتهم على مجتمعاتنا. أما أنتم أيها المسلمون فتريدون تغيير ديننا وتريدون فرض آرائكم واعتقاداتكم وآرائكم الحياتية علينا.
ولهذا اختلفت السنة والشيعة وكرهت بعضها بعضاً أشد من كراهيتهم لغيرهم من الأمم، رغم أن هناك طوائف هي أبعد من الشيعة عن الإسلام. ورغم أن الشيعة أقرب للإسلام من النصارى واليهود، كرهت السنة والشيعة بعضها بعضاً وتناحرت فيما بينها؛ لأن كل طرف يريد فرض فلسفته واعتقاداته على الآخر. ولهذا رفضت مصر مرسي، وخاطرت بإجهاض تجربة الديمقراطية الجديدة الهشة واحتمالية الدخول في نفق الحرب الأهلية، لنفس السبب الذي رُفض من أجله الإسلاميون في كل البلاد من قبل. رفض الإسلاميين، ليس من أجل الدين ولا كرهاً به ولو حاول الإسلاميون ترويج هذه الدعوى. فالمتدين أغلب الناس تحبه، على اختلاف أديانهم حتى الملحدون. فالنصارى تحب رهبانها والمجوس يحبون كهنتهم والمسلمون يحبون زهّادهم وعبّادهم وعلماءهم وصالحيهم. فإنما الذي سبب العداوة، للإسلاميين هو الإجبارية والإكراه المرتكز عليه فلسفتهم الاجتماعية.
تكرار التاريخ لا يلزم منه التطابق التام في شدة الحوادث وأطوال أزمانها وتفصيلات وقائعها. فتشابه السيناريو العام بين حادثتين تاريخيتين هو المقصود بالعبارة الثابتة «التاريخ يعيد نفسه».
فالفتن تُقرأ بنظامها التاريخي البشري العام، فلا يستخف بها إلا أحمق. والحرية والاقتصاد لازمان ضروريان لثبات استقرار الدول واستدامته. وقد يُغني أحدهما عن الآخر في جلب الاستقرار للدول في المنظور الزمني القصير، ويفشل بمفرده في تثبيت الاستقرار ليدرك الأحفاد. فالحرية والاقتصاد متلازمان لا ينفكان، يلزم من غياب أحدهما انعدام الآخر. فلا استمرارية للاقتصاد بغياب الحريات، ولا استمرارية للحريات بغياب الاقتصاد. فغياب الحريات يقتل الإبداعية والطموح وينشر الفساد مما يقضي على الاقتصاد. وغياب الاقتصاد ينشر الجهل والمرض مما يُمكن للسفلة والجهلة في جو الحرية المتوفر أن يستثيروا عواطف الناس باستغلال الفقر والحاجة فيحركوا الشارع للاستيلاء على السلطة فيقضوا بعدها على الحريات. ولذا فالحرية والاقتصاد تدور حولهما الشعارات لتعبر عن معنى واحد يجمع بين الحرية والاقتصاد.