عبدالعزيز السماري
الإرهاب لا وطن له ولا دين، فهو سلوك إجرامي، يعتنقه أولئك الذين فشلوا في إيصال رسائلهم السياسية بالوسائل السلمية، ولجؤوا إلى العنف وقتل الأبرياء من أجل خلق بيئة خوف وهلع في المجتمع، ومن ثم استغلالهما في السعي إلى التغيير السياسي.
تعالت أصوات من الماضي القريب بعد حادثة نيوزيلندا، يدعون فيها إلى دحض الإرهاب بالإرهاب، في حل أشبه بالجنون والانتحار، وذلك لا يختلف كثيرًا عن عقلية السفاح الأسترالي، الذي قتل أبرياء من أجل رسالة سياسية، وموقف ديني متطرف ضد المسلمين، لكن ذلك تصرف شاذ، ولا يمثل المجتمعات الحديثة؛ فالعالم يتجه نحو السلام والانتصار للمُثل العليا.
وسيظل الإرهاب والعنف في عيون الغالبية سلوك المهزومين، ووسيلة فاشلة عند أولئك الذين يدركون أن طرحهم السياسي غير مقبول في الشارع؛ ولذلك يعملون في الخنادق من أجل تدبير قتل الأبرياء، ويستخدم هؤلاء الماضي وتاريخ الصراع بين الشرق والغرب، ومن خلال تاريخ الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية؛ وذلك لاستهداف العواطف الدينية عند بعض المتطرفين من أجل إشعال حروب لا نهاية لها، لكنهم قد لا يدركون أن العالم تغير، وأن الحروب الجديدة مختلفة تمامًا.
فالتياران الصاعدان بقوة في التاريخ الحديث هما تيار احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، فهما يشكلان في الوقت الحاضر حجر الأساس للحرب العالمية ضد الإرهاب، وقد كان ذلك الانطلاقة نحو استراتيجيات وطنية لمكافحة الإرهاب، تسعى إلى منع أعمال الإرهاب، ومحاكمة المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون.
ينطوي ذلك على وضع تدابير على الأرض لمعالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب، بما في ذلك انعدام سيادة القانون، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتمييز الإثني والوطني والديني، والإقصاء السياسي، والتهميش الاجتماعي والاقتصادي؛ وبالتالي تعزيز المشاركة النشطة وقيادة المجتمع المدني، والعمل على تثقيف المجتمع، وتشجيعه على إدانة انتهاكات حقوق الإنسان وحظرها في القانون الوطني، والتحقيق فيها، ومحاكمتها على الفور، ومنحها الاهتمام الواجب لحقوق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان؛ وهو ما يعني فتح الباب للحريات المقننة، وإعداد المجتمع لاحترام الناس بعضها لبعض مهما اختلفوا في شؤون الحياة.
أمن الفرد هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وحماية الأفراد هي - بالتالي - التزام أساسي للحكومة؛ لذلك يقع على عاتق الدول الالتزام بضمان حقوق الإنسان لمواطنيها وغيرهم من خلال اتخاذ تدابير إيجابية لحمايتهم من تهديد الأعمال الإرهابية، وتقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة. ومع التدابير التي اتخذتها الدول في السنوات الأخيرة فإن كثيرًا ما شكلت مكافحة الإرهاب تحديات خطيرة لحقوق الإنسان وسيادة القانون.
التحريض على الإرهاب والعنف واستدعاء الماضي لقتل الأبرياء من مختلف الأديان الأعراق قد يصبح جريمة معلوماتية في دول الغرب؛ ولهذا يبدي نشطاء حرية التعبير ومجموعات حقوق الإنسان والخبراء القانونيون مخاوف من أن التشريعات الجديدة المقترحة لمكافحة الإرهاب ستقيد حرية التعبير، وتحد من الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت. وفي البرلمان البريطاني حاليًا مشروع قانون مكافحة الإرهاب وأمن الحدود الذي قد يصبح قانونًا في غضون بضعة أشهر، ولا يزال موضعًا للاختلاف والرد؛ لأنه فيه تقييد النشاط عبر الإنترنت، الذي قد يقوض الحقوق الأساسية في حرية التعبير حسب نشطاء حرية التعبير.
تحتاج ثقافتنا العربية إلى دفعة قوية إلى الأمام؛ فالإرهاب يشكل بنية قوية في الثقافة الحالية، ويتكلم من خلال منطق فوقي، أحيانا باسم الله - عز وجل -، وفي أحيان أخرى باسم أمن الأمة. ولعل هناك أسبابًا موضوعية أخرى، وقد نحتاج إلى عقود من أجل تجاوز هذه الذهنية القلقة؛ وبالتالي ندخل عصر الحقوق الإنسانية من بابها الرئيس؛ وبالتالي احترام وجهات النظر المختلفة، والتوقف عن الهجرة، والعيش في أجواء أكثر استقرارًا وسلامًا، لكنه يظل حلمًا من أحلام اليقظة، قد يتحقق، والأقرب أن لا يتحقق في المستقبل القريب؛ فالأجواء لا تزال ملبدة بأفكار العنف والكراهية.