عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي كان الحديث حول ضرورة الاهتمام بالعوامل المؤدية لجودة الحياة في مدننا، وكان الحديث حول غياب (الرصيف)، الذي يوضع في إطار الأمور الأساسية لحقوق الإنسان، وشجعني للعودة إلى هذا الموضوع -ربما للمرة الخامسة- ما وجدته مطروحاً في وثيقة (برنامج جودة الحياة)، أحد برامج (رؤية المملكة 2030) الذي يهدف إلى التعامل مع العوامل والمؤثرات السلبية التي تضع مدننا متاخرة في مؤشرات التقدم الإنساني والحضاري.
وضع الأرصفة (المشوَّه) في المدن ليس وحده مصدر الإزعاج للناس، لدينا وضع (الأراضي البيضاء). بحكم غياب مفهومنا التنموي الإيجابي عن الأرض، ومع غياب السياسات الضريبية الذكية، أصبحت الأرض أحد أدوات الاستثمار والادخار الرئيسيّة في الاقتصاد السعودي، لذا تحولت الأراضي البيضاء إلى جزء مهيمن في مدننا، وبسبب ضعف إدارة المدن تحولت الأراضي الواسعة إلى عنصر رئيس للتشوه البصري، بالذات في الأحياء السكنية، حيث أصبحث مجمعًا للنفايات ولمخلفات البناء، ومصدرًا للغبار وزحف التربة إلى الشوارع.
وضع الأرضي البيضاء لا نختلف على أنه يشكل تحدياً مزعجاً للمدن، كما هو حال الرصيف، ولكن (التفكير الإيجابي) ربما يتيح لنا تعظيم الاستفادة منها. الذي نحتاجه نظام تشارك يحقق بعض مستهدفات برنامج جودة الحياة مثل (زيادة المساحات الخضراء داخل المدن) طبقا لوثيقة البرنامج، كمثال، نصيب الفرد من المساحات الخضراء، في الرياض يمثل العشر وفق معايير منظمة الصحة العالمية. كذلك قلة المساحات الخضراء تساهم في رفع التلوث، وفِي هذا المجال لدينا مؤشرات حرجة مزعجة، فتلوث الهواء في الرياض (15 ضعف المعدلات المحددة في منظمة الصحة العالمية)، كما ورد في وثيقة برنامج جودة الحياة.
يمكن زيادة نسبة المساحات الخضراء عبر آلية تشجع على (زراعة) الأراضي البيضاء، وتدوير وتنقية مياه الصرف الصحي تساعد في هذا التوجه. في بعض الأحياء بادر السكان لزراعة الأراضي المهملة واستخدموها مواقف للسيارات. لماذا لا نشجع هذا التوجه لرفع الأنشطة الإنسانية في مدننا، فيمكن تحويل الأراضي البيضاء إلى ملاعب للأطفال، وأماكن يلتقي فيها كبار السن، ومدننا تصنف على أنها غير صديقة لهذه الفئة كما ذكرنا الأسبوع الماضي.
مدننا هي الموئل الانساني الذي نتعايش في إطاره، ورضى الناس عن الحياة في مدنهم ينعكس على رضاهم عن بلادهم، فهناك علاقة ارتباط قوية. المدن العالمية التي نزورها يأتي رضانا الأول عنها من جودة الارصفة والأماكن العامة، وأغلب سواحنا في الصيف يضعون (المشي) النشاط الرئيسي الذي يتباهون به ويسعدون بالحديث عنه، ويرونه مصدر إيحاء إيجابي عن الشخصية، ومؤشر (تمدن).
حيوية البيئة الحضرية للمدن وتكامل العناصر الجاذبة والمعززة للأنشطة الإنسانية وغياب الثلوث البصري، كل هذا له أثره المباشر القوي على سلوك الناس وتفاعلهم في المدن. بعض الظواهر السلوكية السلبية في الشوارع ربما تعود إلى تراجع البعد الإنساني والاجتماعي في المدن. العنف في قيادة المركبات ربما لا يمكن فصله عن حالة الاغتراب التي يعيشها البعض مع بيئته العمرانية المحيطة، فالتوث البصري تضعه منظمة الصحة العالمية كأحد عوامل عدم الاستواء النفسي، مثل التوتر وزيادة والعنف مع الآخر.
الأراضي البيضاء مشكلة بيد الحكومة حلها، فهناك أراضٍ كثيرة تملكتها، كالمرافق التي لم تعمر، وأيضا يمكن معالجة الملكيات الخاصة عبر رسوم الأراضي. ويمكن استخدام الأرصفة المتنقلة المسبقة الصب لحماية الأراضي من رمي المخلفات، أو استخدام أفكار تنسيق الحدائق الصحراوية hard landscap، ولدينا نموذج مطبق في حي السفارات. الحلول متاحة، المهم الاراده!
نحتاج آلية ترفع تكلفة بقاء الأرض بدون استثمار، فالإيجابي للاقتصاد الكلي هو عدم استخدام الأراضي لتجميد الثروات لفترات طويلة. هذا مضر بالاقتصاد. هنا تأتي السياسات الضريبية والآليات الحكومية الذكية للتعامل مع مقومات الاقتصاد وتحفيز الاستثمار.