د. تركي بن هشبل
يختلف اليمين المتطرف الذي يطلق على بعض التيارات والأحزاب السياسية عن جماعات اليمين السياسية التقليدية أو المعتدلة التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع في أن الأول يدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف والسلاح لفرض تلك التقاليد والقيم. ويعود ظهور وانتشار هذا التيار المتطرف إلى فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي نتج عنه تشكيل دويلات التفت إلى أصولها العرقية, كما أن اندماج الدول الأوروبية تحت مظلة الاتحاد الأوروبي أشعل اهتمام الأوروبيين بأصولهم القومية كلاً على حدة, كما ساهم في انتشار هذا التيار انتشار البطالة في أوروبا والركود الاقتصادي الذي يعصف بدول الاتحاد من وقت إلى آخر, إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي جعلت الأوروبيين ينظرون بعين الريبة والكراهية إلى الأجانب, وبخاصة المسلمون منهم, الذين يرون فيهم مزاحمين على الوظائف ومصادر الدخل. من هنا ظهرت دعوات إلى كبح جماح الهجرة والتضييق على المهاجرين, بل إن الأمر تطور إلى أن أصبحت ردود الأفعال العدائية تجاه المسلمين برنامجاً انتخابياً لدى بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية.
ومن أبرز صور هذا التيار الإرهابي المتطرف, على سبيل المثال, ما أعلنت عنه أحزاب من اليمين المتطرف من دول أوروبية في مدينة انفير البلجيكية عام 2008م عندما أسسوا منظمة جديدة تهدف إلى مكافحة ما أسمته بـ «الأسلمة» في أوروبا, بالإضافة إلى تشكيل جماعات أو منظمات مثل النازيون في ألمانيا والفاشيون في إيطاليا وما يُسمى بالنازيين الجدد في فرنسا وغيرها الكثير من الذين يدعون لعداء الأجانب والمنحدرين من الثقافات الأخرى كالشرق آسيوية والشرق أوسطية وغيرها.
ومما قد يشكِّل خطراً كبيراً على المجتمع الدولي هو وصول جماعات وأحزاب هذا التيار المتطرف إلى سدة الحكم ومكان اتخاذ القرار في دول العالم كما حصل في البرازيل وإيطاليا, أو أن تكون أحزاب سياسية كبيرة تنافس على الرئاسة مع مرور الوقت كما في فرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا وغيرها مما قد ينتج عنه حكومات يمينية متطرفة تهدِّد أمن العالم واستقراره.
ولقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إحداث انتشار واسع لهذا التيار وتأثير كبير على الكثير من الأفراد مما عزَّز التطرف والتعصب ونبذ الآخر, بل إن الأمر وصل إلى حد الجريمة كما حصل في نيوزلندا الأسبوع الماضي عندما قتل تسعة وأربعون شخصاً وأصيب أكثر من عشرين آخرين بجروح خطرة بإطلاق نار في مسجدين في كرايست تشيرش على يد رجل إرهابي يميني متطرف. هذا الحراك الفكري السياسي المتطرف والمتعصب يعتبر وجه الإرهاب القادم والشر الأخطر على جميع شعوب ودول العالم, مما يدعو الجميع إلى إيجاد حلول جذرية وفاعلة لمواجهة هذا الخطر. وفي رأيي من أهم وأبرز الحلول ما يلي:
أولاً: مواجهة هذا الفكر اليميني المتطرف الإرهابي إعلامياً من خلال عقد مؤتمرات تناقش خطره وأثره على المجتمعات وكيفية مواجهته.
ثانياً: مواجهة هذا الفكر سياسياً من خلال العمل الدبلوماسي الذي يندد ويشجب كل صور التطرف والتعصب في جميع دول العالم والمساهمة في الجهود الدولية التي تدعم التصدي لمثل هذا الإرهاب الحقيقي.
ثالثاً: مواجهة هذا الفكر من خلال منصاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقيام بعمل ممنهج للحد من خطره ومن ثم القضاء عليه. وهذا يستدعي التعاون من جميع الحكومات للتواصل مع شركات التواصل الاجتماعي والضغط عليها لإغلاق هذه المنصات وملاحقتها قانونياً.