العقيد م. محمد بن فراج الشهري
جرائم اليمين الأوروبي المتطرف لم تكن وليدة اليوم أو هذا العام أو أعوام مضت, بل هذا ما عاشت عليه أوروبا وأمريكا منذ القدم من إبادات, وقتل, وسفك دماء, واحتلال أراضي بالقوة, وفرض الهيمنة على الدول الأخرى أيام الاستعمار التي تشهد بوقائع يشيب لها الولدان, ثم تأتي تدخلاتهم في دول العالم الإسلامي لفرض أساليب وطرق تسببت في تمزيق الشعوب, ووحدتها, وتحاول إضعافها بكل الوسائل حتى تتمكن من السيطرة عليها, وإلزامها بأمور ليست في قاموسها.. ولو عدنا لحصر مجازر الغرب في الغرب أو الشرق سنحتاج لمئات المجلدات.. وما مجزرة (نيوزلندا) الأخيرة في بيت من بيوت الله إلا شاهد على هذا النهج اليميني الأوروبي المتطرف, الذي أصبح يعيث في الأرض فسادا دون رادع.. ولم تتحرك دول الغرب إلا بعد أن نالها جزءاً يسيراً من هذا العبث فقامت بإدانات لا ترقى إلى التصدي لهذا المد المخيف والبشع, والأسترالي (برنتون تارانت) هو نموذج لهذا اليمين الكريه والحاقد تدعمه أيدولوجية اليمين المتطرف وتتبنى سياسة معاداة المهاجرين.. وقد خطط لجريمته كما يقول قبل عامين ثم قام بتنفيذها ضد مصلين يقفون بين يدي رب العباد وفي يوم جمعة في مسجد (كرايست تشيربن) بنيوزلندا وهو غير مبالٍ بما قام به دليل على الحقد والتدبير الوقح العنصري بل قام بتبرير ما قام به وكأنه عمل بطولي يقوم به نيابة عن الشواذ أمثاله في أوروبا, وعرف نفسه قائلا: «مررت بطفولة عادية بلا مشاكل كبيرة.. كان لدي اهتمام قليل بالتعليم خلال الدراسة.. لم ألتحق بالجامعة لأنني لا أرى فيها شيئاً يستحق» وأضاف أنه عمل لبعض الوقت حتى وفر مبلغا أنفقه على السياحة والسفر, وفي الفترة الأخيرة انخرط في أعمال «إزالة الكباب» وهو مصطلح دارج على الإنترنت يرمز لنشاط « منع الإسلام من غزو أوروبا» أما دوافعه لهذه الجريمة النكراء فقد أرجع القاتل في بيانه الذي جاء بعنوان «البديل العظيم» أن أسباب ارتكابه للمجزرة هو «التزايد الكبير لعدد المهاجرين» الذين اعتبرهم محتلين وغزاة.. وهذا ما تربى عليه جيله الذي تناسى غزو أوروبا وأمريكا واحتلال أراضيها وطرد سكانها الأصليين وقتل وتهجير الملايين منهم, وذكر تارانت عن سبب اختياره لنيوزلندا مكاناً لجريمته أنه أراد من ذلك «توجيه رسالة للغزاة حسب رأيه أنهم ليسوا بمأمن حتى في أبعد بقاع الأرض» وقال: «لا أشعر بالندم وأتمنى فقط أن أستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة» كما زعمنه ليس هناك من بريء بين المستهدفين لأن كل من يغزوا أرض الغير يتحمل تبعات فعلته.. وقال: «أرضنا لن تكون يوما للمهاجرين وهذا الوطن الذي كان للرجال البيض سيظل كذلك ولن تستطيعوا يوما استبدال شعبنا».. وأحاديث كثيرة أوردها هذا البربري الأهوج والسفاح المريض بتخمة الكراهية, والعنصرية, والغطرسة.. ودون شك أن هنالك منظمات تسعى لتغذيته وأمثاله بهذه (الجرثومة) القاتلة جرثومة التطرف ففي بريطانيا (حزب استقلال المملكة المتحدة) وفي فرنسا (حزب الجبهة الوطنية) وفي هولندا (حزب الحرية) وفي كل البلاد الأوروبية وأغلب دول العالم أحزاب وجمعيات وأفراد مهمتهم دعم ومساندة وتبني العنصرية بكافة أشكالها.. فكيف ينادي الغرب ودوله بمحاربة الإرهاب ومقاومته وهم ممن صدروه لنا وأشعلوا فتيله في كل بلد إسلامي أو عربي, ولازالت دول الشرق تعاني مما صنعه الغرب من ويلات ونكبات وصراعات مما جعل مواطنيها يهاجرون طلبا للنجاة.. فيلاقون متطرفي الغرب وشواذه لهم بالمرصاد.. صحيح أن هنالك أخطاء ارتكبها من يدّعون الإسلام والإسلام منهم براء.. أضرت بالعالم الإسلامي وشوهت أسسه ومقاصده, ونشرت الفوضى مما يطلق عليه «الإسلاموفوبيا» وهو أمر يجب التصدي له بقوة وعدم إتاحة الفرصة لمده وانتشاره بعد كبح جماح داعش والقاعدة وجماعة الإخوان الفاسدين.. ومن ثم مواجهة الغرب ومحاربة التطرف اليميني الأوروبي ونحارب كل ما يدعو إلى العنصرية والتفرقة بين الشعوب وعدم احترام المثل والقيم الإنسانية كما أنه مطلوب من الدول الإسلامية أن تتعدى مواقف الشذب والإدانة إلى المواجهة على كافة الأصعدة الإعلامية, والثقافية, والإنسانية وأن تجند منظمات ومراكز إعلامية في كل دول أوروبا ساعية إلى تعديل هذا السلوك اللا إنساني, والإجرام المنظم من قبل هذه المنظمات العنصرية البغيضة, ثم لا يجب أن تمر هذه الحادثة مرور الكرام أبدا بل يجب أن تستغل لصالح الإسلام والمسلمين ضد من يتهموننا بالإرهاب, وهم صناعه ورواده وإلا فستكون الكوارث مستقبلا أشنع وأفضع وهذا الشاذ الأسترالي وغيره من المنظمات الفاشيّة والعنصرية التي تسانده هو وأمثاله هم ممن ينطبق عليهم قول المولى تعالى في كتابه الكريم: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) سورة التوبة صدق الله العظيم.