د. حسن بن فهد الهويمل
وبتعدد القراءات, تعددت المصاحف, فجمعها (عثمان) على مصحف واحد.
وعلى ضوء رؤية (أبي عرفة) الضالة فإن ما يقوله من آراء, وما يقره من أحكام, وما يفسره من آيات, وما يشرحه من أحاديث ليست من قول الله, ولا من قول رسوله.
إنها (نص رديف), كأي تفسير, أو شرح من أقوال العلماء. إنه ناتج فهمه, وتأويله. وهو اجتهاد منه, يحتمل الخطأ, والصواب.
وإذ أباح لنفسه استبعاد كتب التفسير, والحديث, والفقه, والقواعد, والأصول, وتقرير قوله المُحْدَث, فقد تناقض مع نفسه. هو الآن بقوله يمثل (الوسيط) بين الأمة, والوحيين, فيما يهمش الوسطاء.
وواجبه -والحالة تلك- أن يقتصر على (الكتاب, والسنة), مُتوناً لا غير، وليس من حقه أن يحول بين الأمة, وكتابها بكلامه الرديف. إن عليه أن يقدم الكتاب, والسنة بِنَصَّيْهِما, وأن يلجم فمه, ليحقق مقتضى دعوته الساقطة بنص القرآن الذي يدعي اتباعه:- {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
مهمته التآمرية ضد المملكة, وعلمائها, إفراغ المشهد الديني, والمعرفي من علماء المسلمين الأكفاء, ومن علومهم التأصيلية.
حتى إذا تم له ذلك أتاح الفرصة لسائر علماء الطوائف الذين مَرَّ بهم مرور الكرام, ليملؤوا الفراغ. وتلك حيلة ماكرة, لا يتقن صنعها إلا من مردوا على النفاق, وبَشِموا من ثمن العمالة.
إنه بحق مقتدر لسن, ومأجور جلد, نذر نفسه لتحقيق (خارطة الشرق الأوسط الجديد), التي رسمها (كيسنجر), ونفذها (آل بوش), والمتمثلة بخلق ثلاث طوائف إسلامية متكافئة: (شيعة), و(متصوفة), و(سنة), ثم إشعال الفتن فيما بينها.
وهو لكي يوطن النفوس, يفتتح أحاديثه بأدعية, وابتهالات, وحمدلات, وحوقلات, مستعيذاً من كافة المنجز العلمي لعلماء الأمة. ومن مقولاته الملغَّمة:- (اللهم لا تبق لنا أثراً إلا أثرك, وأثر نبيك).
لا أستبعد أنه مدعوم بفريق عمل جَلِدْ, يجمع له المعلومات, والشواهد, وهو يضيف عليها من محفوظاته, ومراوغاته, وضلالاته ما يجعلها سائغة مقبولة.
هذا الفريق (المخابراتي) يختار له المصطلحات المهمة, والدعوات الإصلاحية المؤثرة, والظواهر المفصلية في التراث. وقد يَسْتَلَّ له كافة المآخذ الثاوية في كتب (الشيعة), ومتعصبة (الأشاعرة).
من ذلك مصطلح (الإعجاز), و(علم القراءات), و(نواقض الإيمان), و(الإرهاب), ومصطلح (العقيدة) وغيرها مما أشرنا إليه.
ولأن مقتضيات (اللعب السياسية) إضعاف (أهل السنة, والجماعة), فإنه يتعمد ألا يأتي على لسانه البذيء إلا علماء (أهل السنة, والجماعة) وأئمة المذاهب الأربعة, ومجتهدي العلماء, المشهود لهم بالتقى, والصلاح, والصدق, والإخلاص كـ(ابن تيمية), و(ابن القيم), و(الطبري), و(ابن كثير) وسائر الفقهاء, والمفسرين, والمحدِّثين, وعلماء القراءات, والكلام.
ولو أنه كان حُرَّ الرأي, صاحب مذهب, متحرياً للحق, لبدأ بعلماء الطوائف المضلين, كـ(الآيات), و(الملالي), و(الأولياء), و(الغلاة), وسعى لتطهير مشاهد الأمة من كافة الخرافيين, والقبوريين, وأصحاب المواجد, والرقص, والتفجع, واللطم, و(العلمانيين), و(الليبراليين), وسائر المنحرفين.
ولأن تلميع (التشيع الصفوي), و(التصوف الخرافي), و(الباطنية) ودعمهما من أهداف (خارطة الشرق الأوسط الجديد), فقد غفل عن نقدهم.
هو يدعي أنه مع (الكتاب, وصحيح السنة). وممارساته تقوم على تكذيب حملتهما.
المذاهب الأربعة, بل العشرة كما أحصاهم البعض, يُخَطِّئُ بعضُهم بعضًا, ويجادل بعضُهم بعضًا. والكل يشعر بقيمة التراث. والجميع يقر بأن العلماء ورثة الأنبياء. والكل يحتفي بالمتفق عليه بين المذاهب.
والناصحون الصادقون يعرفون لذوي الفضل فضلهم, فيأخذون من علمائهم ما يوافق المقاصد الشرعية, ويستدركون عليهم ما دون ذلك, ويَتَرحَّمون عليهم.
وكلُّ عالم رآدٌ, ومردود عليه. وكل مُجتهدٍ مُقْتدر مأجور على الخطأ, والصواب, متى كان من الأوابين, الباحثين عن الحق.
وكيف يتأتى لهذا المشبوه العميل التصدي لعلماء الأمة, والتركيز على علماء (المملكة العربية السعودية), ودعوتها الإصلاحية. ولولا أنه مأجور مدعوم مُبَرْمج لما اجترح تلك السيئات.
يقف الساعات يرغي, ويزبد, والحصيلة تفجير علماء الأمة كافة, والحكم عليهم بالضلال, واتباع الهوى, وكأن ما كتبوه, أو قالوه من عند أنفسهم.
كُتُبُ علماء (أهل السنة, والجماعة) تقوم على تأصيل المعارف, وتحرير المسائل, والتعويل على المصادر الأصلية للشريعة: الكتاب, وصحيح السنة, والإجماع, والقياس. فكيف يسوغ لنفسه نسْفَها.
لقد حكم بأن (القاعدة), و(داعش) نسلتا من حلقات الدرس, في (المملكة), وهذا ما يريده دافع الثمن.
(المملكة العربية السعودية) بسلفيتها المتوازنة, المتعايشة, المتصالحة, المتسامحة, لا تروق للعملاء, ولا للهدامين.
إن العلماء الذين تحتاجهم الأمة, لإقالة عثراتها, يجب أن يتصفوا بالتسامح, والحوار, وقبول الحق, وفتح باب الاجتهاد, وعدم التعصب لمذهب, أو لطائفة, وعدم احتكار الحقيقة. والاشتغال بالدعوة, وإبلاغ الوحيين, مع الكف عن المراء, والمناكفات, والإقصاء, وتبادل الاتهامات, وذلك منهج علماء (المملكة).
هذا النَّكِرةُ المُنْكَر:-
- {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ}. لم يسلم أحد من لسانه. ولم يَقْصِد هداية المخالف. ولم يتجرد من الهوى. يعارض التكفير, ويُكَفِّر. ويجهل قواعد: العلم, والعمل, والأخلاق, والعدل, والسياسة الشرعية. فسحقاً له, ولمن هم على شاكلته.