د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
مذبحة مروعة لأبرياء مساكين، رجال ونساء وأطفال، في بيتين من بيوت الله وفي يوم الجمعة تم التخطيط لها والإعلان عنها قبل حدوثها، ونشرها بأدق التفاصيل بعد حدوثها. الضحايا مسلمون من جنسيات مختلفة والقاتل رجل أبيض يؤمن بفوقية العرق الأبيض وينتمي لجماعة تعمل في أستراليا بشكل طبيعي في وسائل الإعلام. اعتمر السفاح البربري خوذة بها كاميرا ليصور تساقط ضحاياه ببندقية كتب عليها أسماء من سبقوه من قتلة المسلمين سواء الأطفال أو المصلين العزل في المساجد، وشعارات صليبية تستحضر تاريخ صراعات الحضارات مثل «فيينا 1683»، و«شارل مارتيل»، وغيرها. وكان يستمع وهو في طريقه لارتكاب مذبحته أناشيد عسكرية عنصرية كان الصرب الفاشيون يستمعون لها وهم يعدمون الأبرياء المسلمين في البوسنة. خرج السفاح من المسجد بعد أن قتل أكثر من 45 مصليا، وأطلق النار على امرأة تسير قرب المسجد وعلى مجموعة من الأطفال. وكتب على موقعه في تويتر أنه كان يدرك أن عمله إرهابي لكنه مبرر بضرورة الخلاص من المهاجرين المسلمين، والحفاظ على نقاء الأجيال القادمة من البيض. أما الإعلام الغربي فذكر أن الدافع هو الإسلاموفوبيا أو الخوف من المسلمين!!
وسبق وأن نبهنا في مقالات سابقة من تصاعد العنصرية وكراهية العرب والمسلمين في الغرب، وهي ليست كما يسميها الغربيون إسلاموفوبيا أو الخوف من المسلمين، فهذا المصطلح وظف بذكاء إعلامي ليلقي دائمًا بجزء من اللائمة على المسلمين أنفسهم حتى ولو كانوا ضحايا لعنف مجاني حقير كهذا. فالتفرقة ضدهم، وإيذاؤهم أوحتى ارتكاب المذابح في حقهم في أماكن عبادتهم هي بسبب الخوف منهم لا الكراهية لهم والعنصرية ضدهم!! ولذا هم مسئولون عما يحصل لهم لو جزئيًا أو معنويًا. وهذا بالضبط ما صرح به ممثل مقاطعة «كوينزلاند» وليم فريزر في بيان منشور له حمل المسلمين أنفسهم جزءا من المسئولية في المذبحة، وتوقع غيرها!!
الإعلام الغربي متطور ولديه حساسية مفرطة للمصطلحات في جميع تقاريره وأخباره عن منطقتنا. وعندما تعييه الحيلة يورد المصطلح العربي أوالإسلامي حتى لا يفهمه المتلقي. فمعظم مصادر الإعلام الغربي مثلاً لا زالت ترفض تسمية المقاومة الفلسطينية بالمقاومة وتسميها بدلاً من ذلك «انتفادة» التي أصلها «انتفاضة» بالعربي، وتتوسع في استخدام لفظة جهاد وهي مصطلحات غريبة وغير مفهومة للمتلقي الغربي وتوحي بحياد مستفز له. نعم كانت أعمال إرهابية انتقامية قام بها بعض مسلمي الغرب في بعض عواصمه ولكن الإعلام الغربي يعرف على وجه الدقة أن من قامت بها حركات منظمة مؤدلجة وليس المسلمين المساكين الذين يقصدون المساجد لأداء عباداتهم. لكن الإعلام كثير ما يخلط بينهم.
ضحايا هذه المجازر لا صلة لهم ولا يمكن أن يكون لهم أية صلة بالإرهاب أو حتى السياسة. يهاجمون في أماكن عبادتهم عزلٌ وبدون حراسة. فلا يمكن أن يكون الدافع هنا هو الخوف منهم أو الإسلاموفوبيا، بل الكراهية المقيتة لهم التي غذاها الإعلام الغربي وبعض الشخصيات السياسية الديماغوجية الانتهازية. ويكفي مثالاً أن زعيم دولة كبرى عبر عن تعاطفه مع الشعب النيوزيلاندي، ولم يعبر عن تعاطفه مع الضحايا المسلمين. حتى أن رئيسة وزراء نيوزيلاندا ذاتها تحدته أن يعلن تعاطفه مع الضحايا المسلمين.
أعيد تأهيل وتأصيل كراهية المسلمين إيدلوجيًا وتاريخيًا بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي، وقالت ذلك بكل صراحة ووضوح رئيسة الوزراء البريطانية مارقريت تاتشر وهو أن الإسلام العدو القادم للغرب وسيحل محل الشيوعية كعدو مستقبلي. ولذلك أعيد تأهيل الحركات القومية والحركات الدينية في الغرب بشكل منهجي خبيث. تصاعد اليمين المتطرف وسيطرت الأحزاب اليمينية المتطرفة على ثلث حكومات أوروبا، وعلى سياسة أمريكا. الحكومات الغربية أدركت تصاعد الشعور القومي والديني في مجتمعاتها فوظفته بدلاً من القضاء عليه، وتحسبًا لذلك سارعت لتجريم معاداة السامية والتي تعني حصرًا منع نشر الكراهية ضد اليهود فقط. أما كراهية غيرهم والسخرية منهم والحط من قيمتهم كالمسلمين فلا يعد جريمة. كثفت هوليوود أفلامها ومسلسلاتها التي تسخر باستمرار من المسلمين وحضارتهم، وهي تضخّم وتذكر دائمًا بكل عمل عنف صدر منهم، ولا تورد ذكرًا لما يرتكب في حقهم. الأمر اليوم خطير جدًا وقد يستفحل ما لم تتم مواجهته بكل قوة وحزم. فالغرب يقابل كل خطوة تسامح من المسلمين تجاهه بتجاهل أفعال تنظيمات وشخصيات تبث الكراهية ضدهم. والقضية ليست إسلامفوبيا أو الخوف من المسلمين بل إسلاموميزيا، أي كراهية المسلمين، أو الإسلاموديمينا، احتقار المسلمين.