كوثر الأربش
كنت صغيرة بما يكفي لأن تصبح أفلام الكارتون متعة حياتي، كان ذلك في نهاية الثمانينات الميلادية، لكني كنتُ فطنة بما يكفي لأن أتساءل. وقتها كان الكارتون الشهير
«بوباي/ popeye» أحد تلك الأفلام التي كنت أشاهدها بالكثير من الدهشة. إنني أتذكر جيداً تلك الحلقة، حينما قام «بوباي» بتحطيم تمثال للسندباد «الشخصية الأسطورية، لبحار عربي مغامر من بغداد»، وأعاد تشكيله ليصبح «بوباي، النموذج الغربي لبحار شجاع».
هل كان ذلك المشهد عفويًا؟ فليقل عني المثقفون، خصوصًا من يتهمون الجميع بأنهم مصابون بنظرية المؤامرة ما يشاؤون. لكن المشهد لم يكن عفويًا، هكذا أقولها.. وبكل ثقة.
إن أصعب ما يمكن أن تبنيه أو تهدمه هي «الفكرة». ونحن - أعني المسلمين مجملاً - للتو ننتبه لصناعة الأفكار. لقد كنا مشغولين في التناحر فيما بيننا، في حروبنا الكلامية، في تصنيف بعضنا، في إلغاء بعضنا. وتركنا للعالم مهمة تعريفنا، وإلغاء تاريخنا. وقبل أن أشرع في توضيح الفكرة، دعوني أقول إن هذا المقال ليس موجهًا لهواة التصنيف، لأنني أعرف مسبقاً، أننا في ذلك الزمن الذي أصبح ذكر مفردة «الإسلام»، كافيه لتصنيفك على أنك إسلاموي، متشدد، رجعي أو على أحسن تقدير: غير معاصر.
على كل حال. سأكتب لكم عن تاريخ الصورة الذهنية. وكيف تم تشويه صورة الشرق المسلم ببال طويل، طويل جداً، وعلى فترة مديدة من الزمن.
لا يقدر أحد على تشويهك، إذا ما كنت حاضراً. وحدهم الغائبون من يمكن أن يصورهم الآخرون كما يشاؤون. ونحن كنا في سبات طويل، بينما كانت هناك جهات مشغولة، ويقظة. وتعي ما تفعل. لم يكن الإعلام، ولا الخطابات العنصرية وحدها قنوات تم استغلالها لهذا الهدف. بل حتى السينما وأفلام الأطفال والمسرح والغناء. لقد دججوا كل تلك الأسلحة ضد صورة المسلم. وتمت هذه البروبغاندا العالمية على تكريس الشرقي المسلم، على أنه غازٍ، عنيف، متخلف، جشع، عاشق للهو والنساء.
لقد مهدوا أرضية صلبة لتقبل هذه الصورة، أخذوا وقتهم بما يكفي لأن يجعلوا تلك الصورة حية. أعني حينما ظهر، الخميني، جهيمان، بن لادن، حسن نصر الله، وأخيراً: البغدادي.
كلنا نعرف أن تلك الشخصيات الدموية، لم تكن صناعة إسلامية، بل صناعة سياسية بامتياز. الذهنية غربية والتنفيذ شرقي.
سواء على الطريقة الخمينية الناعمة والمنافقة، بإظهار المظلومية والقيام بأعمال دموية وإجرامية بعيداً عن عدسات الكاميرا، أو بالطريقة الداعشية وتوثيق القتل بأبشع صوره. في كلتي الحالتين، علينا أن نعرف أن وجود هذه النماذج للشرقي العنيف والمستعمر والطامع في أراضي الآخرين وخيراتهم، تم تكريسها على أحقاب طويلة قبل أن تظهر على أرض الواقع.
أما نحن للتو نفكر في تحسين الصورة. ولا بأس، أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي. لكن المشكلة ليست في التأخير. المشكلة في الآلية.
إننا نقوم بمؤتمرات وورش واجتماعات من أجل تحسين صورة الشرق المسلم. لكننا لا نخرج بنتائج رائعة. إننا نمتلك عقولاً فذة، نمتلك مهارات، وإستراتيجيات احترافية وعملية. لكن هل تدري ماذا ينقصنا؟ أمران: الإيمان بقضايانا، والإخلاص لها. والثاني: الثبات عليها. إنني هنا لا ألقي خطبة دينية، بل أتحدث عن واقع تجربة تم اختبارها وتنفيذها على أرض الواقع من قبل العالم. علينا أن ندرك قيمة الإيمان بالقضايا، الحب والتفاني، تمامًا كما نهتم بالجوانب الرياضية والعلمية.
أذا كنت تريد تحسين صورة شيء ما، عليك أولاً أن تحبه، تؤمن به، تتفانى وتخلص. وبالتأكيد لا تتجاهل «الزمن». الصبر، الصبر، الصبر.. أقولها ثلاثًا.
إن ما حدث في نيوزيلندا من حدث مؤلم ووحشي، يجعلنا ندرك قيمة العمل بصبر وثبات من أجل إنتاج صيغ بشرية مريضة. هذا ما يفضحه سلاح الإرهابي من كتابات تاريخية معادية.
تخيل أن يكون في العالم مئات النسخ الصامتة من هذا المجرم!
ألا يستحق الأمر بعض التأمل؟ وتخيل أيضًا أن نستخدم الآلية نفسها ولكن من أجل صناعة نماذج بشرية فاعلة وأيجابية و مسالمة. نعم نستطيع ذلك. لكن. هذا سيحدث فقط حين نؤمن بأنفسنا، نحدد خياراتنا، ونتحد.