عبد الله باخشوين
** كأنهم أصدقاء، يأتون مثقلين بأحمالهم المخزية..
يبحثون فيك عما تبقى منهم.
يستجدون منك ما كان ومضى بهم إلى مصائرهم التي لست منها، ولم يكن فيك منها.. سوى حزن فقدهم بهذه الطريقة المجانية.
تراهم (يستفون) عصارة خزي لا يشبه أحدًا غيرهم.
وتذكر ما مضى.. ويهولك أنك (كنت) حزينًا.. وأن حزنك لم يعد يشبه الحزن.
تبحث عنهم فيهم وحولهم.. وتدرك بأسى أنهم لم يعودوا يشبهون ما كان فيهم منهم.
ولا يشبهون ما تبقى في وجدانك وعقلك من حكايا وذكريات.
يا له من انهيار روحي عقيم..
يا له من عقم مُر، فَقَد حتى طعم مرارته في حلوقهم التي تضحك ببذخ يستجديك.. أو يستنجد بك.. فيما أنت لست هنا ولست هناك.
لست فـ(الأماكن) كلها.. ولست خارجها أيضًا.
فقط هم الذين رحلوا منك ومن كل ما كان يسكن ذاكرتك من ذكرياتهم:
- (يا باب أيا مقفول.. امتى الدخول
صبرت ياما واللي يصبر ينول
دقيت سنين والرد يجعلي مين؟!
لوكنت عارف مين أنا كنت أقول؟)
أصبح (عجبي) يعجبني.. وأنا أرى انهياراتهم في وجداني ومن حولي.
أراهم ينسحبون من ذكرياتي.. ومن كل ما كان جميلاً فيها دون أن أشعر بالألم أو الندم.
وكأني بأمي تحدق بي بعين وحيدة، لفت الكون كله في محجرها.. وتعزيني قائلة:
- (ذكريات ماضيك كله - عدلة وفرغت)؟!
فأدرك بدهشة وذهول أنها كانت قد أطبقت علي عينها الضريرة لأغفو بين جفنيها المطبقين
وأستريح.. لا يطولني همّ.. ولا خوف يعتريني.. ولا تسكن قلبي أحزان.
كأني بها تفسر لي كل شيء وأنا أقبّل قدمَيها وهي تقول:
- (شبنا.. وشاب العارضي من كثر خلاف السنين)..
أفرغت من قلبي (عدلة) الأعداء والأصدقاء.. وصعقتني ببرق ضحكتها التي تشبه (هديل) الحمام
وهي تروي حكايات تسخر فيها من نفسها.
عائدة من السوق تكون.. تريني ما اشترت وتسألني:
- (راعي المحل قالي بـ[أربعة]... قلت راعيني.. واشتريتها منه بـ[خمسة وريال] غشني ولا راعاني)؟!
وأقول: (البنت أمي محد يقدر يغشها)
وتقول مغضبة:
- (ألف مرة قلت لك.. لا تقولي [بنت].. حتى أبوك ما يقدر يقولها.. من فين طلعتلي انته وقلة أدبك؟!).