د. أحمد الفراج
أعود للحديث عن الانقسام الحزبي والأيدولوجي حاليا في أمريكا، والذي رأى زميلي الصحفي الأمريكي أنه جزء من الحراك السياسي في أمريكا، وكنت ذكرت في المقال الماضي أنه يعلم في قرارة نفسه أن الأمر مختلف هذه المرة، فاختلاف وجهات النظر بين الساسة الفرقاء، وحتى الاصطفاف الحزبي والأيدولوجي كان دوما حاضرا، خلال التاريخ السياسي لأمريكا. هذا، ولكنه لم يكن بهذه الحدّة والوضوح فيما مضى، كما أن الإعلام كان دوما مشاكسا وشرسا في خصومته مع الساسة، سواءً مع الرئيس أو مع الكونجرس، ولكنه لم يكن منحازا كما هو منذ فوز ترمب بالرئاسة، فلا يمكن مقارنة المناكفات المهنية الراقية، التي كانت تمارسها الصحفية الشهيرة المتميزة، هيلين توماس، مع الرؤساء السابقين، بما يفعله جيم اوكستا ورفاقه حاليا مع الرئيس ترمب.
كان الإعلاميون الكبار، الذين يعملون مراسلين في البيت الأبيض، يناكفون الرئيس، ولا تزال تطربني مشاكسات الإعلامي الأشهر، سام دينلسون، مع الرئيس ريجان، فالأول صحفي محترف من طراز فاخر، وريجان متحدث ضليع، مع كاريزما آسرة، وبالتالي يكون المتابع أمام أدبيات راقية في الخلاف والاختلاف، ودينلسون ليس الوحيد، فهناك غيره من الإعلاميين الكبار، الذين كانوا يبحثون عن الإثارة، ويستمرؤون المناكفة، ولكن في حدود المهنية، ولا يشعر المتلقي أن هناك انحيازا صارخا، بل بحث عن الحقيقة، التي ينشدها المشاهد، والطريف في الأمر أن الرؤساء كانوا يكنّون احتراما شديدا لمن يناكفهم باحترافية ورقي، دون تجاوز الخطوط الحمراء، وكذلك كان مذيعو القنوات الكبرى الكبار، مثل بيتر جيننقز وتوم برونكو، الذين ينشدون الإثارة دون انحياز. أما اليوم، فما يحدث الديمقراطيون في الكونجرس بشقيه، الشيوخ والنواب، وبين الرئيس، فهو إلى حد ما اصطفاف حزبي وأيدولوجي حاد، كان واضحا مثل شمس النهار، أثناء استجواب مرشح ترمب للمحكمة العليا، بريت كافاناف، فلم يكن معظم الجمهوريين في لجنة مجلس الشيوخ يبحثون عن الحقيقة، بل كانوا مدافعين عن المرشح، ولم يكن الديمقراطيون مهنيين في اعتراضهم على المرشح، بل كانت الأيدولوجيا توجه كلا الطرفين، ويقاس على ذلك كثير مما يحدث، منذ دخول ترمب للبيت الأبيض، ولست هنا مدافعا عن ترمب، فهو مسؤول أيضا عن حالة الانقسام الحالية، بعد أن استخدم أدبيات اليمين المتطرف، وقرر التصعيد مع الخصوم ومع الإعلام المعتدل واليساري، فالمسألة ليست البحث عن من تسبب بحالة الانقسام، فالطرفان مسؤولان عنها، بل هو حديث عن حالة قائمة، ستتفاقم أكثر، إذا لم يتم علاجها مستقبلا، ولا يبدو أن ذلك سيحدث، وسنواصل الحديث.