م. بدر بن ناصر الحمدان
لا أدري لماذا انتظرت الجامعات السعودية الحكومية كل هذه السنوات لتقتنع بجدوى قبول المرأة السعودية في مساراتها الهندسية، بالرغم من أن كثيرًا من تجارب الجامعات على مستوى العالم خاضت هذه التجربة وبرهنت على مخرجاتها منذ زمن طويل، بل إن الجامعات المحلية الخاصة نفسها قدمت نماذج ناجحة استطاعت أن تُحدث الفارق خاصة في مجالات العمارة والتخطيط والتصميم الداخلي، وخلال فترة وجيزة وبإمكانات محدودة، الأمر أيضًا يمتد إلى سوق العمل الحكومي والخاص الذي تأخر كثيرًا هو الآخر في قبول المهندسة السعودية كمورد بشري مساهم في التنمية.
مشكلة تمكين المهندسات في سوق العمل لا تقتصر على النسخة المحلية فقط بل كثير من دول العالم ما زالت بحاجة إلى مزيد من الجهد لتحفيز هذا التوجه، الاهتمام بذلك يحدث على الصعيد العالمي وبشكل مستمر، ففي حلقة العمل حول «النساء في الهندسة، الأهمية والتحديات» والتي عقدت في 2012م في مقر اليونسكو بباريس تم مناقشة التحديات والصعوبات التي تواجه النساء المشتغلات في مجال الهندسة في حياتهن المهنية وعملهن التطوعي، وكيف يمكن جعل الهندسية أكثر جاذبية للنساء؟ وكيف يمكن زيادة عدد النساء في مجال الهندسة من خلال مقترحات ملموسة؟ وبالرغم من الجهود التي بذلت في هذا المجال إلا أن الإجابة على هذه الأسئلة مازالت أقل من المستوى المأمول.
خلال الحديث عن «المرأة والهندسة في قمة القيادة 2016م» التي انعقدت في دبي، قدمت إحدى المهندسات رسالة عالمية كان لها صدى كبير في أوساط المجتمع الهندسي النسائي تقول فيها «أدعو النساء في مجال الهندسة للإيمان بقدراتهن، لا يهبن شيئًا ويسعين دائمًا ليصبحن جزءًا من الشركة التي تؤمن بأن تمكين المرأة ليس فقط حق إِنساني، بل إنه طريق لتحقيق النجاح والمساعدة في بناء مستقبل أفضل».
نحن نقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من بناء المستقبل، مما يحتم العمل بفلسفة أكثر تقدمًا وانفتاحًا على الأفكار الإيجابية، والخروج من مسارات التخندق والنمطية، علينا أن نؤمن بأن التغير الذي حدث في أسلوب الحياة وما صاحبه من ممكنات وتجهيزات وتشريعات مساندة على مستوى البيئة التنظيمية والاجتماعية والعمرانية يستوجب منح المرأة السعودية فرصة أكبر للدخول في المنافسة على مقاعد التعليم والعمل في الحقل الهندسي، وتضمين معايير «الكفاءة» و«التأهيل» و«القدرة» كفيصل للاستحقاق دون النظر إلى أية اعتبارات أخرى.
في «السعودية الجديدة» هناك فرصة للجميع، لذلك لن تكون مهنة الهندسة حكرًا على الرجال بعد اليوم، فيكفي ما خسرناه من فرص عمل وأوجه تمكين واستثمار خلال السنوات الماضية نتيجة قناعات «غير مبررة» اكتشفنا مؤخرًا أنها لا تتجاوز في كونها «مخاوف» لا أساس لها، و«جهل» بقدراتنا وإمكانية توظيفها وتوجيهها نحو استثمار مقوماتنا البشرية في إطار من الضوابط الاجتماعية التي تكفل للمرأة كامل حقوقها من الاحترام والتقدير في إطار مجموعة من «قيم» و«أخلاقيات» العمل.