د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يبدو أن الزمن الذي كانت تتبادل فيه موسكو ومنظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية، الاتهامات بالتسبب في انهيار أسعار النفط الذي كان يؤثر على اقتصادهما قد انتهى، بعدما اتفقا الجانبان نهاية عام 2016 على خفض مشترك لعرضهما الذي يمثل نصف الإنتاج العالمي، وبات أعضاء هذا التحالف غير الرسمي المعروف باسم أوبك بلس يجتمعون بانتظام في أجواء هادئة، وفي 18 مارس 2019 سيتم البحث عن طريقة في إضفاء صفة رسمية على هذا التحالف في الأجل البعيد.
إذا تحقق هذا التحالف في صبغة رسمية فسيعيد إلى أوبك بريقها بعدما راهن الجميع على نهاية أوبك، وسيضمن لروسيا نفوذا جديدا في السوق النفطية، وكذلك ينهي مرحلة من السباق لانتزاع حصص السوق لسنوات والذي أدى إلى زيادة كبيرة في العرض، حيث يضم هذا التحالف أوبك التي تملك ثلث الإنتاج العالمي وفي نفس الوقت نحو 1.5 تريليون برميل احتياطيات نفط عالمية مؤكدة بنحو 80 في المائة من الاحتياطيات العالمية، وإذا ما أضيف إلى دول أوبك حوالي 10 دول أخرى غير أعضاء منها روسيا سيدخل صناعة النفط الخام بحالة الوهج والانتعاش، وإن ذلك سيتحقق في ظل وجود أساسيات سوق شاملة وقوية خصوصا من أن النفط والغاز سيستمران في السيطرة على مزيج الطاقة في العالم لعقود طويلة مقبلة، خصوصا إذا أدركنا أن هناك نحو 10 دول سينتهي لديها النفط الخام خلال نحو عقد من الزمن وهذه الدول هي البرازيل، الصين، ماليزيا، أنجولا، إندونيسيا، المكسيك، الولايات المتحدة، النرويج، بريطانيا، كولومبيا.
تمثل أوبك بلس قوة ضاربة قادرة على الحفاظ على أسعار مستقرة تضمن لها إيرادات جيدة للموازنة، وللرياض ولموسكو مصلحة في الاتفاق على الحفاظ على سعر برميل النفط بين 60 إلى 70 دولارا، وتعلم موسكو ما ستجنيه من هذا التحالف بعد تراجع أسعار النفط المرفق بعقوبات غربية فرضت عليها منذ ضمها شبه جزيرة القرم أدى إلى أزمة اقتصادية خطيرة في روسيا في عامي 2015 و 2016.
يأتي دور روسيا كوسيط في ظل الأزمة بين السعودية وطهران، وكان هناك دور في ديسمبر 2018 لوزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك الذي سمح للجميع بالاتفاق في اللحظة الأخيرة.
تمر أوبك بلس بمرحلة استثنائية في صناعة النفط، في وقت تصبح فيه الجغرافيا السياسية عاملا أكثر أهمية في الأسواق، وهناك المزيد من اللاعبين في كل مكان في حين تخبو تطمينات الماضي، وبحلول عام 2024 ستظل الولايات المتحدة تشكل 70 في المائة من نمو إنتاج النفط العالمي مع 4 ملايين برميل إضافية في اليوم وفقا لوكالة الطاقة.
لكن منظمة أوبك ترى أن هناك مصلحة مشتركة بينها وبين أميركا في وجود صناعة نفطية مزدهرة ونابضة بالحياة خلال العقود المقبلة، وأن ازدهار كل طرف سينعكس بالإيجاب على الطرف الآخر، وتعترف أوبك من دون ثورة النفط الصخري كان العالم سيشهد فوضى كبيرة في مجال الطاقة، ما يعني أن هناك أهمية لدوري أوبك والولايات المتحدة في صناعة النفط العالمية، وأن لدى الجانبين حصة استراتيجية في مستويات العرض والطلب العالمية.
الدورة الاقتصادية الصعبة التي بلغت ذروتها بين عامي 2014 و 2016 والتي تأثرت بانكماش اقتصادي أثرت على دول أوبك وكذلك على منتجي النفط الصغار في أمريكا وهو ما يؤكد بالفعل الطبيعة المترابطة لسوق الطاقة العالمية.