عبدالعزيز السماري
يعد القاتل النيوزيلندي في مأساة المسجدين رمزاً لإرهاب وجرائم عقيدة التفوق الأبيض، وقد كان استند إلى دعايات اليمين المتطرف المتمثل في التحريض ضد «غزو» المهاجرين الساحق للجنس الأبيض، معلنًا عبر الإنترنت عزمه على الانتقام، وقد اكتسبت إرهاب جماعات الجهاد الإسلامي المتطرفة زخماً إعلامياً منذ 11 سبتمبر، وتم تخصيص قدر هائل من موارد إنفاذ القانون لتتبع وتعطيل المؤامرات الجهادية المحلية في الولايات المتحدة، بينما توارت أعمال الجماعات البيضاء المتطرفة عن الواجهه الإعلامية..
وجد تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا أن الموارد التي صرفت لتغطية إرهاب الجهاديين تفوقت على الموارد المخصصة لتتبع عنف التفوق الأبيض في الولايات المتحدة، والتي كانت في بعض التدابير أكثر قسوة من التهديد الجهادي عندما يتعلق الأمر بالهجمات الإرهابية على الأراضي الأمريكية منذ 9-11، كما ينصب تركيز وسائل الإعلام، أيضًا، على الهجمات التي يقوم بها المسلمون - فقد كشفت دراسة حديثة بحثت عن 136 هجومًا إرهابيًا على مدى عقد من الزمان أن هذه الهجمات حصلت على تغطية أكثر بثلاث مرات من الهجمات من أي نوع آخر.
أصبح الإرهاب والتطرف يمتلك مساحات أكبر بعد الإعلام الجديد، وينتشر الإرهابيون عبر مختلف الأيديولوجيات، ويميلون إلى رؤية أنفسهم ومجموعاتهم مضطهدة ويحتاجون إلى الحماية، وساهم تطور القرن الحادي والعشرين في استخدام تكنولوجيا الاتصالات الأحدث لتعبئة المتابعين ونشر الدعاية والتحريض على الهجمات..
يعد الشعور بالتهديد لأي مجموعة متطرفاً أمراً مشتركاً بين الإرهابيين، فالإرهاب الديني الذي ارتبط بالقاعدة وداعش، وجماعات أخرى مماثلة يبررون تطرفهم أن الغرب يشن حملة متعمدة لإبادة المسلمين، وهي فكرة شائعة، وتبناها كثير من المفكرين الإسلاميين مثل عبد الله عزام وغيره، أما بالنسبة إلى المتطرفين البيض مثل مطلق النار في نيوزيلندا - ومطلقو النار من مدعي التفوق الأبيض في ساوث كارولينا، وبيتسبيرغ، وبنسلفانيا يروجون لما يسمى بالإبادة الجماعية للبيض، وهم يعتقدون أن هناك حملة مزعومة للقضاء على البيض من خلال الهجرة الجماعية من الدول المسلمة..
أما الظاهرة المستجدة في هذا القرن، فهي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتسليحها بلغة وأفكار الإرهاب، فقد بث القاتل في نيوزيلندا الهجوم على الإنترنت، وقد نشر بيانًا من 74 صفحة، وقال إنه يتبع خطى المفكرين البيض أندرس بريفيك، الذي قتل أكثر من 70 شخصًا في النرويج في عام 2011، وديلان روف، الذي أطلق النار على تسعة من المصلين في كنيسة تشارلستون في عام 2015،كذلك نشر المجاهدين المتطرفيين صور فيديو مروعة، وفيها مشاهد لقطع الرؤوس، ونُشرت على صفحات الإنترنت..
ما حدث كان جريمة وكارثة إنسانية مروعة، وتهدف إلى لفت الانتباه من خلال قتل الأبرياء من أجل إيصال رسالة سياسية ما، وربما لن يتوقف الإرهاب في الزمن القريب، فقد تحول إلى ظاهرة تستهدف المجتمعات الآمنة، ومهما اختلفت الدوافع المعلنة، على العالم أن يتحد ضد هذه الأفكار الشيطانية التي تعتقد أن القتل واستهداف الأبرياء وسيلة سياسية مؤثرة، وقد تكون هذه الحادثة المأساوية فرصة غير مسبوقة لتسليط الضوء على تطرف الجماعات التي تعتقد بالتفوق الأبيض وعلى أفكارهم وفلسفتهم السياسية والدينية، وإدانتها في مجلس الأمن والجمعية العمومية، فقد كانوا لزمن طويل خارج دوائر الإعلام العالمية لأسباب سياسية أيضاً..