صيغة الشمري
هل لتلقي العلم والدرس وتحصيل العلوم عمر محدد؟ وهل هناك حد أقصى للعمر الذي لا يستطيع الإنسان أن يتلقى العلوم بعده؟
الحق أن إجابة هذا السؤال راجعة إلى فهم كل منّا لنقطتين رئيسيتين: الأولى هي نظرتنا للعلم ولدوره في حياتنا والهدف الذي نسعى من ورائه لتحصيل العلوم، والثاني راجع إلى نظرة كل منا إلى إمكاناته الشخصية وقدراته، فلقد شاع في مجتمعاتنا أن للعلم عمرا محددا، وأن الطفولة والشباب هم الحد المسموح فيه بتلقي العلم، وإن تجاوز الإنسان هذه المراحل العمرية فلا يحق له ولا يجوز أن يفكر في التحصيل العلمي، بل وصلنا إلى حد السخرية ممن نجده يسعى ويجد في طلب العلم في سن كبيرة! وكأنها نقيصة أو عيب أو أمر مشين! ونتيجة هذه النظرة المحدودة، ترسخ في العقل الجمعي أننا نفقد قدرتنا على الفهم واستيعاب العلوم إذا ما تقدمنا في العمر، وهي نظرة قاصرة بكل المقاييس، فإن كانت الصحة والشباب هي ميزة تساعد على استقبال المعرفة، فإن الخبرة والتجارب التي يحصلها الإنسان مع الوقت هي ميزة أخرى تساعده على استيعاب جديد المعرفة وتعوضه على نشاط الشباب المطلوب، ولسوف تدهش عزيزي القارئ إن عرفت أن هذه النظرة هي أحد الأسباب الرئيسية التي تؤثر سلباً على حجم الإسهام العربي في حركة البحث العلمي العالمي، فإذا قسمنا الإسهام العالمي في البحث العلمي على المراحل العمرية المختلفة، سنكتشف أن البلدان العربية تشارك بنسبة محدودة للغاية في الأبحاث التي ينتجها أصحاب الأعمار المتقدمة، نتيجة عدم إيماننا بقدرة تلك الفئة على التحصيل والإبداع والابتكار، والحق أن هناك العديد من النماذج التي خالفت هذه القاعدة ورأت أن تقدمها في العمر بل وتقاعدها هو الفرصة المناسبة لمواصلة الدراسة في المجال الذي يشكل الشغف الخاص بها، ولكنها تظل حالات استثنائية محدودة، إن نظرتنا إلى تحصيل العلوم يجب أن تتغير وتتطور، ويجب أن تساعد جامعاتنا بلوائحها وضوابطها في هذا الأمر، وتتيح الفرصة للجميع من مختلف الأعمار على التحصيل في مختلف العلوم والمجالات، بل عليها أن تشجع على ذلك وتنشر هذه الثقافة وتنميها، لأنها ثقافة تصب في هدفها الرئيسي ومسعاها الأساسي المتمثل في نشر العلوم والارتقاء بالمستوى الثقافي والعلمي لمختلف الأجيال، إن مرحلة طرح الثمار العلمية هي في مرحلة متأخرة من السن حيث تكتمل الخبرة العلمية والحياتية، علينا أن نجعل العلم متاحاً للجميع ونفتح أبواب جامعاتنا ومراكز أبحاثنا ومعاهدنا لكبار السن ممن يريد أن يكمل تعليمه ونتنازل عن بعض الشروط التي لاتمت للواقعية بصلة مثعدم قبول أي طالب بعد مرور سنوات معينة أو بعد سن معينة وهذا مما يحرمنا من عقول قد تكون هي التي تملك العقل الذي يفيد وطنه ومجتمعه، دول العالم المتقدمة تفاخر بإلغاء الكثير من الشروط التعليمية أو الوظيفية ونحن نفاخر بتكاثرها وتعقيدها.