م.عبدالله الفته
علو الهمة صفة عظيمة لا تقوى عليها إلا النفس التي منّ الله عليها بالعزة، النفس التي تركض إلى معالي الأمور في ميادين العلم والعمل والتخلي عن سفاسفها، كما أن دنوها يجلب الذل والجبن والهوان. علو الهمة يقابله الجد وعدم التواني وينافيه التكاسل والتقاعس. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها.
تعالت همة الشباب السعودي «كجبال طويق» وفي مقدمتهم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما عظمت المقاصد في رؤية المملكة 2030 وسمت الأنفس إليها. تعالت الهمة عندما تحدتنا الرؤية لتكون بلادنا رائدة في جميع المجالات والوصول بنا إلى أقصى مستويات التقدم والنجاح. تعالت همتنا عندما استطعنا أن نرسم معالم وظروف غايتنا بناءً علي مكامن قوتنا. بمنتهى البساطة، تعالت همتنا عندما أردنا أن نعيش حياة سعيدة، «فسعادة الإنسان بعلو همته»، والسعادة طموح العالم أجمع.
يسعى كل إنسان في حياته لتحقيق السعادة على حسب فهمه لها. فكل شخص ينظر إلى السعادة من منظوره المختلف عن الآخر بناءً على معتقداته وبيئته وأحواله وخبراته التي كونها على مر السنين. فالفقير مثلاً يرى سعادته في ثرائه والمريض يراها في صحته وعافيته وقد يرى البعض أن سعادته تكمن في إسعاده للآخرين. وهنا قد يختلف تعريف السعادة من شخص إلى آخر ومن جيل إلى جيل ومن مكان إلى مكان. ومع ذلك، اتفق معظم المختصين والباحثين على أن أفضل طرق العيش بسعادة هي تحقيق «التوازن» بين سبعة جوانب حياتية؛ الجانب الديني، الجانب الصحي، الجانب الاجتماعي، الجانب العائلي، الجانب الشخصي، الجانب العملي (المهني)، والجانب المادي. جميع هذه الجوانب السبعة تتمثل في محاور وأهداف رؤية المملكة 2030 لحياة سعيدة ومتزنة.
فالجانب الديني يتمثل في الهدف الإستراتيجي الأول من الرؤية وهو تعزيز القيم الإسلامية ومنها الوسطية والتسامح. بالإضافة إلى أهداف تفصيلية أخرى على سبيل المثال لا الحصر، التعريف بالإسلام وخدمة المزيد من ضيوف الرحمن على أكمل وجه.
أما الجانب الصحي فيأتي مباشرة كهدف إستراتيجي ثاني للرؤية وهو تعزيز نمط الحياة الصحية ونشر ثقافة ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع بالإضافة إلى تسهيل الحصول على الخدمات الصحية وغيرها من الأهداف الصحية التي رسمتها الرؤية لتمكين حياة عامرة وصحية للمواطنين والمقيمين.
كذلك الجانب الاجتماعي يتمثل في أهداف كثيرة منها دعم القطاع غير الربحي وتشجيع العمل التطوعي بالإضافة إلى تمكين المواطنين والمقيمين والشركات من المساهمة الاجتماعية. والجانب العائلي في إيجاد المسكن الملائم للأسر وتعزيز المشاركة في التحضير لمستقبل الأبناء بالإضافة إلى تعزيز ثقافة العمل الجاد بين أطفالنا.
الجانب الشخصي والعملي شملتها أيضا الرؤية ويتمثلان في التوسع في التعليم والتثقيف وزيادة معدلات التوظيف بالإضافة إلى تطوير رأس المال البشري وجذب ورعاية المواهب. أما الجانب المالي فيتمثل في أكثر من هدف إستراتيجي منها مثلا تنمية وتنويع الاقتصاد وزيادة الصادرات غير النفطية بالإضافة إلى تحفيز المنشآت والشركات المحلية والوطنية.
من هنا نستطيع القول إن تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 هي تحقيق لأهداف الحياة السعيدة وهي بالتأكيد مطلب جميع أفراد المجتمع. ففي الدراسة التي تجريها منظمة الأمم المتحدة سنويا عن سعادة الشعوب حول العالم (World Happiness Report)، وجدوا أن هناك علاقة متينة بين السعادة وبين التعليم والصحة وارتفاع مستوى دخل الفرد والدعم الاجتماعي. علو همتنا كسعوديين لا تكتفي بتلك العوامل فقط، بل شملت أيضا ديننا الحنيف الذي هو عصمة أمرنا، فسعادتنا الحقيقية لا تتحقق إلا بعلو ديننا. وكما نعلم بأن علو الهمة من الإيمان، نعلم يقيناً أيضا أن الهمة تعلو وتتعالى إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى. في الختام، أسأل الله لي ولكم عيش السعداء والإخلاص في القول والعمل، وأن يحيينا حياة طيبة.