د. حمزة السالم
نمت جماعة كلوكس كلان وعظم أمرها، حتى استعرضوا في واشنطن استعراضًا عظيمًا، لم تشهد واشنطن مثله قط. وقد بلغ أعضاء الجماعة نحوًا من سبعة ملايين عضو، كان من بينهم رؤساء مستقبلين (كالرئيس تورمان -الذي أمر بإلقاء القنبلة الذرية على اليابان-)، كما كان فيهم عدد كبير من النواب والقضاة. وشعبية الـ KKK نابع من شعارهم الذي حمل دعاوى حماية الأمريكان من خطر المهاجرين واليهود والسود. ولكن ظهور المافيا كمزود للخمر والنساء والترفيه، أكسبها شعبية هائلة، أضاعت شعبية الـ كلوكس كلان التي كانت ضد ذلك كله. فما القصة؟
تبدأ القصة من الرق، فالرق خلق التوتر بين الحكومة الأمريكية وبين الولايات الجنوبية المتمردة، والتوتر خلق الحرب الأهلية وهزيمة التمرد الجنوبي في تلك الحرب الدموية، وتحرير العبيد السود ومساواتهم بالبيض خلق التعصب للعرق الأبيض، والتعصب خلق كلوكس كلان (Ku Klux Klan) وتُختصر بـ KKK، والتي تخصصت ابتداء في إذلال السود وتعذيبهم وقتلهم. وكأي حركة أو مذهب، لم تتوقف الكلوكس كلان عند السود.
فازدهار أمريكا بعد الحرب الأهلية فتح أبواب الهجرة للعالم الجديد على مصراعيه، وانتصار أمريكا في الحرب العالمية الأولى كب أفواج من المهاجرين اليهود والكاثوليك، وهنا وجدت الكلوكس كلان نفسها أمام أفواج من اليهود، والذين اتهمتهم الـ KKK بسرقة العالم والتحكم بالبنوك عالميًا، وأنهم هم أصل الشيوعية، كما استعدوهم لأنهم يرفضون المسيح، تمامًا كما استعدوا الآسيويين والترك والمغول والتتر والزنوج، والكاثوليك لأنهم قديمًا في التاريخ السحيق، قد أيدوا الديكتاتور الروماني! «فالصراع في الحقيقة كان كما كان ضد السود، إنما هو صراع على فرص العمل والتجارة.
وجنوح «الكلوكس كلان» للتدين، جعلهم يؤيدون حظر الخمر الذي ابتدأ سريان تشريعه فدراليًا في عام 1920. والحظر خلق عمليات تهريب كما تسبب بالاستهانة الجماعية بكسر القوانين مما خلق البيئة المناسبة لانتظام لصوص الشوارع وعصابات تهريب المهاجرين وشرار المهاجرين، في عصابات منظمة فكانت المافيا الأمريكية. وسرعان ما صارت المافيا وحشًا لتهريب الخمر، فتصادمت مع الكلوكس كلان، التي كانت تدعم الحظر بقوة. ولتسهيل إيصال الخمر، خرجت ثقافة الصوالين وحفلات الجاز، وصار جلوس النساء فيها وعلى البارات أمرًا اعتياديًا بعد أن كان محرمًا عليهن، فانتشر الاختلاط بين سكارى الجنسين، فسرت الدعارة والتفسخ، مما زاد في العداوة بين المافيا والـ KKK .
وزاد الحسد في إشعال نار العداوة بين المنظمتين الدمويتين. فمن بعد الحرب الأهلية، انتكس الجنوب في تجرع أحقاده والافتخار بأصولهم، بينما انغمس الشمال في التصنيع والتجارة، كما انطلق المهاجرون في التنافس على إبداع كل جديد. ومن ذلك أن الذي أنشأ هوليود هم يهود مهاجرون، فعملوا من خلالها على نشر أفكار المساواة بين الأعراق والأجناس، كما ساهموا في تأصيل ثقافة التفسخ والانحلال في الإعلام من أجل تجميل البارات والصوالين وجذب الناس للحانات ونوادي التعري، والتي بمجموعها كان لها عائد اقتصادي وسياسي واجتماعي ضخم، هيمن على كثير من نواحي الحياة الأمريكية.
فقامت الحرب بين المافيا والـ KKK، وكأنها إعادة للحرب الأهلية. فالمافيا من الشمال وهم الأقوى والأذكى والمتحررة من الماضي ومن العنصريات، وغالبهم من الجمهوريين، وبين الـ KKK من الجنوب، الذين ليس لديهم إلا البطر وتجرع أساطير البطولات، وتوهم الأفضلية، وغالبهم كان من الديمقراطيين.
وشتان بين عنف الكي كي كي وبين عنف ودموية المافيا. ولذا لجأ آلاف بي أي للمافيا، بعد أن أعجزهم الجنوب عن استكمال مقاضاة قتلة السود والمخربين من جماعة الكلوكس كلان. ومع دعم آلاف بي أي للمافيا، استعظم شرها، فسفكت المافيا بجماعة الكي كي كي، وشردت بهم. فأنهت ما بقي لهم من شعبية أو منعة.
وبزوال مجد الكلوكس كلان، أُلغي حظر الخمر عام 1933، أي بعد ثلاثة عشر عامًا، وذلك بأمر من الرئيس فرانكلين روزفلت.