د. أحمد الفراج
بعد سلسلة المقالات عن اليمين المتطرف في أمريكا، والذي رأى بصيص أمل في استعادة الماضي، وذلك بعد فوز الرئيس ترمب بالرئاسة، لعله يحسن أن نعرِّج على الجانب الآخر من معادلة الأيدولوجيا، أي اليسار، الذي تجاوز أدبيات ليبرالية توماس جيفرسون، وأصبح يجنح للتطرف أيضاً، ولعل ما يواجهه الرئيس ترمب، منذ فوزه بالرئاسة يؤكّد هذه الحقيقة، فبعض مراكز البحوث والدراسات المحسوبة على اليسار، والإعلام اليساري، تجاوزوا الموضوعية بمراحل، ولم يعد همهم البحث عن الحقيقة، بقدر التعصب لإيدولوجية ليبرالية يسارية تعمّ العالم حالياً، ومثلما أن بعض أطروحات اليمين المتطرف تتجاوز المعقول، فإن أطروحات اليسار ليست بعيدة عن ذلك، ومعظمها يتكئ على شعارات نظرية، يصعب تطبيقها على أرض الواقع.
فإذا كان مذيعاً يمينياً مثل تيكر كارلسون، أبرز مذيعي ومعلّقي قناة فوكس نيوز حالياً، ينسى نفسه أحياناً، أو يتناسى عامداً، ثم يطرح من الأفكار والتعليقات ما لا يتواءم مع الزمن الذي نعيش فيه، بل يناسب مرحلة ما قبل إقرار قانون الحقوق المدنية، أي خمسينات وستينات القرن الماضي، فإن معلقي اليسار، في الجانب الآخر، يتصيدون كل ما من شأنه إثارة العواصف في وجه ترمب وإدارته، وقد بلغ الأمر درجة أن بعضهم ظهر وكأنه يصطف مع إيران، بعد أن انسحب ترمب من الاتفاق النووي، وأصبح ظهور مسؤولين إيرانيين في برامج سياسية مرموقة أمراً مألوفاً، إذ أتاحت المذيعة الشهيرة، كريستينا امانبور، المجال لرئيس إيران أن ينتقد «عنجهية» الرئيس ترمب، وسط موافقة كاملة منها، إذ كانت تكتفي بهز رأسها وتبتسم، فضيفها يشاركها الهجوم على الرئيس الأمريكي، وهذا هو المطلوب!
أحد الزملاء الأمريكيين يحاول إقناعي أن أمريكا كانت دوماً كذلك، فخصومة الإعلام مع الرئيس، وخلافات السلطة التنفيذية الممثلة بالرئيس، مع السلطة التشريعية الممثلة بالكونجرس، هو الأصل في الحراك السياسي الأمريكي، وهذا الزميل، مثل أي مواطن أمريكي يحب بلاده، ويفخر بنظامها المؤسساتي العريق، وأجهزتها العدلية المستقلة، وجيشها الجبار، ولكني على يقين بأنه يعلم في قرارة نفسه أن الأمر مختلف هذه المرة، ويعلم أن معظم المعلّقين المنصفين يعترفون بحقيقة الانقسام الحادّ حالياً، فقبل فوز ترمب، كان هناك حدود وخطوط حمراء، يقف عندها الساسة الفرقاء، أي عندما يتعلَّق الأمر بالأمن القومي، وبمصلحة أمريكا العليا، أما اليوم، فقد بلغ الانقسام الحزبي والأيدولوجي مرحلة خطرة، وسنواصل الحديث.