د.عبدالعزيز الجار الله
كل مرة ألتقي بالشيخ محمد بن ناصر العبودي، من مواليد بريدة القصيم 1345هـ/ 1926م، أشعر بأن للتاريخ والرحلات الدعوية ملمسًا ونبضًا حيًا، فالعبودي صاحب الـ200 مؤلف وموسوعة يبقى نادرًا في زمان توقف فيه الرحالة والبلدانيون، وتناقصت فيه الشخصيات الموسوعية الشاملة. مساء يوم الثلاثاء الماضي قامت ثالوثية د.محمد المشوح بتكريمه بمناسبة مرور (عشرين عاماً) على برنامج «المسلمون في العالم مشاهد ورحلات» لمعالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي في إذاعة القرآن الكريم.
بدأت رحلات الشيخ العبودي الدعوية والجغرافية في أوائل الستينات الميلادية الماضية لشرق ووسط وجنوب آسيا زمن مواجهات الاتحاد السوفييتي مع الغرب وقبل أن تتفكك دوله، والصين قبل أن تنفتح على العالم، ودول آسيا الوسطى قبل أن تستقل عن الاتحاد السوفييتي وتصبح روسيا عام 1991م بلا اتحاد، وأفريقيا كانت تعج بالحروب والصراعات. العبودي يتنقل بين الأقاليم والمدن والنواحي للدعوة والإرشاد وتدوين المذكرات، ساعده في هذه المهمة الشاقة كونه الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي. حيث أتاح له عمله في الرابطة وقبلها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كأمين عام لها زيارة معظم أقاليم آسيا وأفريقيا وباقي قارات العالم، فأصدر هذه المؤلفات الضخمة، وحصل على العديد من الجوائز والتكريم، كان آخرها وفي ليلة التكريم الثالوثية له تم الإعلان عن إصدار «مشروع عالم العبودي 2019- 1440هـ»، وهو عبارة عن مواد فلمية، تهدف إلى التعريف بالشيخ العبودي وجمع إنتاجه للمتابعين، وهي من الأعمال الأولى لحفظ تراث مثل هؤلاء الأدباء.
تميز العبودي أنه أطلعنا على بعض أقليم روسيا وجمهورية الاتحاد في آسيا الوسطى، وعلى إقليم الصين، ووسط أفريقيا وعلى حال الشعوب الإسلامية قبل الاستقلال، أو السماح بحرية التعبير والمعتقد، وصورة للعالم الإسلامي في بقاع الشرق، والتعرف على ظروفهم المعيشية ومعاناتهم، لقد وثق لنا سجلاً كاملاً لمجتمعات كانت تعيش بعيدًا عن الأضواء الإعلامية، وفي أماكن يصعب الوصول إليها، فكان الشيخ يعيش رحلة العذاب والمشقة القاسية حتى يصل إليهم وتعليمهم وتثقيفهم بدينهم، فهي خطوة تُشكر عليها حكومتنا الكريمة لرعاية العالم الإسلامي، وخطوة يُشكر عليها الشيخ محمد العبودي الذي قام بتأليف هذه الكتب وإطلاعنا على حالهم، وخطوة تُشكر عليها إذاعة القرآن الكريم على تسجيل رحلات الشيخ ومشاهداته والتي تُعرَض حتى الآن، كما يُشكر د. محمد المشوح على إعداد وتقديم البرنامج الإذاعي طوال سنوات بثه.