محمد عبد الرزاق القشعمي
عرفت الأستاذ سعد بن عبدالرحمن بن سعد الدريهم في وقت مبكر, وبالتحديد عام 1384هـ في سنته الأخيرة طالباً في جامعة الملك سعود بالرياض, كلية الآداب, قسم الجغرافيا, إذ كنت أسكن بجوار زميله وصديقه عبدالرحمن بن عبدالسلام -رحمهما الله- (في حي معكال) فكنا نلتقي في العطل الأسبوعية.
وسريعاً ما تكونت مجموعة من الأصدقاء من أبناء الدلم واليمامة من الخرج والموجودين بالرياض, فأصبحنا نذهب إلى مشتل الخرج أيام الجمع ونقضي فيه النهار سباحة في البركة وطبخ الغداء بين أشجاره ونعود للرياض في المساء.
وفي العام التالي، وبعد أن تأسس نادي الطليعة الرياضي بالدلم, وسجل رسمياً بإدارة رعاية الشباب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدأنا نذهب للدلم مع المجموعة من عصر يوم الخميس لنساهم في بناء مقر النادي باللبن والطين ونسقفه بجريد النخل وخشب الأثل, -كل حسب قدرته- وكان الأخ سعد من أنشط المجموعة؛ إذ كان يشمر عن ساعديه ويلف ثوبه إلى وسطه, ويخوض في الطين ليختلط بالماء والتبن, ثم تبدأ عملية التلبين أو التمليط وغيره من يحضر الخشب أو العسبان أو نقل الماء لتخمير الطين حتى يكون جاهزاً ليناول (ألستاد) وهو المختص بالبناء, وكنا وقتها نستعين بإضاءة ضعيفة وهي (اتريك) القاز, ومع أو بعيد صلاة العشاء نذهب إلى النفود لتناول طعام العشاء والنوم على الطعوس, وفي الصباح نسرع إلى المشتل لحجز المكان المناسب قبل مجيء الكشاته من الرياض وغيرها, استمرت علاقتنا ولقاءاتنا رغم تباعدها بسبب تخرجه من الجامعة وتعيينه مدرساً في الخرج, ومن سنة 1390هـ تنقل عملي بين عدد من مناطق المملكة من الشرق للشمال، وكانت المراسلات بيننا لا تنقطع. بعد أن عدت للرياض، وتوليت مسؤولية القسم الأدبي بالشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1401هـ وولادة فكرة إصدار سلسلة (هذه بلادنا)، دعوته للمشاركة بتأليف كتاب عن (الخرج) وتجاوب الرجل وصدر الكتاب يحمل الرقم (40) عام 1413هـ/ 1993م، وقد تناول تاريخ وجغرافية المنطقة والحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
وبعد انتقال عملي إلى مكتبة الملك فهد الوطنية وقيامي بمهمة تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة، طلبت منه زيارة المكتبة والتسجيل معه، فوافق بعد تردد، وكان اللقاء في 12/2/1426هـ.
• قال إنه ولد عام 1360هـ بمدينة الدلم بمنطقة الخرج، وتلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب، ثم في المدرسة السعودية الابتدائية بالدلم (ابن عباس حالياً)، وكان يساعد والده في الفلاحة بمزرعة الحميدية بالدلم.
• انتقل بعد ذلك للرياض ليلتحق بالمعهد العلمي بالرياض، وبعد أن أتم فيه المرحلتين المتوسطة والثانوية، انتسب للمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة وحصل على شهادته الثانوية حتى يستطيع بها الالتحاق بالجامعة.
• التحق بجامعة الملك سعود، كلية الآداب، قسم الجغرافيا، وحاز على شهادة البكالوريوس عام 84/1385هـ- 64/1965م.
• التحق بعد ذلك بكلية التربية بالجامعة ليحصل على دبلوم التربية العام عام 1387هـ.
• عمل مدرساً في ثانوية ومتوسطة السيح بالخرج 1386هـ.
• ثم عمل مديراً لمتوسطة وثانوية الدلم من عام 1391هـ.
• انتقل بعد ذلك من وزارة المعارف إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية وكان بالعمل رئيساً لبلدية الدلم من عام 1396هـ وحتى عام 1402هـ.
• انتقل بعدها لمصلحة المياه والصرف الصحي ليعمل مديراً لفرع المصلحة بالخرج عند افتتاحه عام 1402هـ وحتى عام 1420هـ حتى تقاعده بعد خدمة 35 عاماً.
• وفي لقاء صحفي مع الأستاذ سعد الدريهم نشر بجريدة الجزيرة في عددها 282 الصادر بتاريخ 28/12/1389هـ الموافق 24/2/1970م تحت عنوان (لقاء مع رئيس نادي الطليعة: سعد الدريهم، أتمنى من الإعلام الرياضي الاهتمام بالأندية الريفية).
سأله من أعد اللقاء: محمد عبدالعزيز العسكر: كم عمرك؟ وما هو مؤهلك؟ وما هو عملك الحالي؟ فأجاب: عمري 29 سنة، والمؤهل العلمي: بكالوريوس آداب قسم الجغرافيا، ودبلوم التربية العامة. وعملي الحالي: وكيل متوسطة حنين بالخرج.
وقال أنه انضم إلى أسرة نادي الطليعة بالدلم منذ تأسيسه، ولكنه لم يلتحق به إلا بعد تخرجه من الجامعة وتعيينه بها عام 1385هـ، وأنه تولى رئاسة النادي عام 1386هـ [وكانت الأندية الرياضية التي تقام في المدن الصغيرة تسمى -وقتها- أندية ريفية]، وقال: وجودي بمنطقة ريفية، والنادي أحد المؤسسات الاجتماعية، والخدمة فيه خدمة للوطن والمجتمع والعمل بالنادي لا يقتصر على وقت معين محدود وليس لدي أي مانع في العمل لخدمة المجتمع والوطن متى تيسر لي ذلك.
وعن تملك النادي لمقره خلاف الأندية الأخرى قال: قد لا تصدق إذا قلت لك بأنه لا يوجد في صندوق النادي في ذلك الوقت إلا ألفا ريال فقط. ولقد غامرنا في شراء الأرض، وأهبنا بالشباب والشيب للتكاتف والتعاون فتبرع الجميع كل على قدر استطاعته، فسددنا قيمة الأرض، وبدأ الجميع يتعاونون ويتكاتفون وعمرو الأرض بأيديهم بالمجان، والفلاحون لم يقصروا في إعطائنا الخشب وسعف النخيل بالمجان مساعدة منهم، وصار النادي على ما صار عليه الآن..
وعن مساندة أبناء المنطقة للنادي قال: أبناء المنطقة متعاونون ومتكاتفون للنهوض بالنادي، وإذا طلبت منهم المساندة المادية والمعنوية سارعوا إلى ذلك ومساندتهم فعالة وجيدة.
وقد انتقل عمله في العام التالي 1391هـ ليدير المدرسة المتوسطة والثانوية بالدلم، فازداد نشاطه وتحمس للمطالبة للخرج بشكل عام وللدلم بشكل خاص بكل ما يفيدها، وخصوصاً في مجال الشباب مزاولة النشاط الرياضي والثقافي ولتطوير التعليم ونشره بين فئات المجتمع.
وقد دعا كثير من العلماء الشعراء لإلقاء محاضرات وأمسيات شعرية على منبر النادي، وكان نشاطاً محموداً من جميع المواطنين الذين التفوا بالنادي وتابعوا نشاطه الثقافي والاجتماعي، وأمامي بالمناسبة الآن كتيب يضم محاضرة ألقيت بالنادي تحمل عنوان: (الدِّين والعلم) محاضرة ألقاها الشيخ زيد بن عبدالعزيز ابن فياض، كتب على غلافها: ((ألقيت بنادي الطليعة بالخرج – الدلم، ليلة الجمعة 8/7/1389هـ.79ص. طبعها بدار الأندلس –بيروت– 1970م.
عرفت الأستاذ سعد الدريهم بصفاته الحميدة وأخلاقه العالية وتواضعه الجم وتعاونه المستمر، وكان قبل تعرضه للمرض الذي أفقده وعيه كان يفكر بإقامة صالون ثقافي أو مجلس أدبي يجمع المهتمين من أبناء الخرج وغيرهم في مناسبات محددة يناقشون فيها ما يهم الوطن والمواطن ويدعون ويستضيفون من يرون فيه الكفاية للتحدث فيما يهمهم. وكان ينوي استضافة الرائد عبدالكريم الجهيمان –رحمه الله– بعد إنشائه المدرسة المتوسطة بالسهباء والتي تحمل اسمه، ولكن المشروع توقف بسبب ما تعرض له في السنوات الأخيرة من حياته من عارض صحي منه (الزهايمر) فقده للذاكرة.
وأذكر بعد تقاعده من العمل أسس مزرعة خفس دغره سماها (الدريهمية) وزرعها بالقمح وبعض أشجار الفاكهة والخضرة، وكان يدعو أصدقاؤه ويولم لهم، ويهيئ لهم أسباب الراحة وتوفير وسائل اللهو البريء كلعب (البلوت) الذي لا يحسنه ولم يحاول مزاولته طول حياته.
• كرم من جهات عدة ففي يوم الثلاثاء 3/7/1420هـ كرمه منسوبو فرع مصلحة المياه والصرف الصحي بالخرج في برج المياه برعاية محافظ الخرج الأستاذ ناصر بن خالد السديري بمناسبة إحالته على التقاعد.
• كما كرمه محافظ الخرج الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز 25/1/1425هـ عند إقامة معرض الكتاب الذي نظمه مركز سعود البابطين من مكتبة الخرج العامة (معرض الكتاب الخيري للتراث والثقافة) بالخرج، كرم ابن الخرج الأستاذ سعد بن عبدالرحمن الدريهم نظير ما قدمه من خدمة جليلة لبلده ووطنه خلال ما يزيد على أربعين سنة، وقال عبدالرحمن البابطين المشرف العام على المركز: ((.. إن تكريم أبناء الوطن المخلصين من أهم واجباتنا، وإن رسالة المركز هي النهوض بالثقافة وخدمة التراث والاهتمام بالباحثين والمؤلفين في هذا الوطن، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.. )).
• وكرمت وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بالمكتبة العامة بالدلم الدريهم تحت رعاية الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود محافظ الخرج مساء 19/4/1432هـ -أثناء مرضه وقبيل وفاته- بإقامة حفل كبير حضره المحافظ وعدد من أصحاب السمو والمعالي والسعادة وألقيت الكلمات والقصائد وعرض فلم وثائقي لبعض ما قدمه لبلده وما شهد به أصدقائه وزملائه، وطالبوا بتسمية إحدى المدارس وأحد الشوارع باسمه تقديراً لجهوده.
• وكرمته الجمعية الجغرافية السعودية برعاية مدير جامعة الأمير سطام بالخرج معالي الدكتور عبدالرحمن العاصمي بتاريخ 16/4/1434هـ.
وقال المهندس يعرب خياط المشرف على مشروع الصرف الصحي بالخرج أثناء إدارة الدريهم للمصلحة.. ((.. لقد كانت أياماً ممتعه تعلمت فيها الكثير من الأستاذ سعد، وكان مربياً فاضلاً بنى جسور المحبة بين الزملاء في الرياض والخرج، على اختلاف إداراتهم وتخصصاتهم، كانت أيام وجودي في الخرج ثلاثة أيام من كل أسبوع هي الأحلى، وحظيت بدعم فني وإداري ومالي من الأستاذ سعد، بما مكن فريق العمل والمسؤولين في الرياض والخرج من الوصول بالمشروع لبر الأمان ومرحلة الاكتمال.. )).
• وبعد تعرضه للمرض الذي أقعده رهين منزله كتب عنه بعض محبيه معددين مناقبه وصفاته وداعين له بالشفاء والعافية ومنهم: الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن سعود الغزي.. أستاذ التاريخ والآثار بجامعة الملك سعود تحت عنوان: (شفاك الله يا مؤرخ الخرج ومدون تاريخها)، والدكتور زيد الدريهم المستشار بوزارة التعليم العالي تحت عنوان: (سعد بن عبدالرحمن الدريهم، المعلم – العلم)، والأستاذ سليمان السالم الحناكي الرئيس السابق لبلدية الخرج تحت عنوان: (تكريم الأمير عبدالرحمن للدريهم غير مستغرب..) وغيرهم.
• وفاته. بعد بقائه على السرير الأبيض بالمنزل لأكثر من ست سنوات (28-1434هـ) توفي يوم الاثنين 1/8/1434هـ -رحمه الله- رثاه كثير من محبيه ومنهم: سليمان الحناكي -رئيس بلدية الخرج السابق- الذي رثاه بكلام مؤثر وذكر معلومات عنه لم يسبق ذكرها وهي: رئيس لجنة الامتحانات والمراقبة بالقويعية، مدير المركز الصيفي بالرياض، نائب رئيس اللجنة الأهلية بمركز التنمية الاجتماعية بالدلم.
كما رثاه: محمد الحطيم، والدكتور عبدالرحمن الشبيلي مذكراً بالفترة التي جاوره بها.. طلاباً بجامعة الملك سعود بالصفاة بالرياض أعوام 82-1384هـ.
ورثته جريدة الجزيرة، وجريدة الرياض، والدكتور زيد الدريهم، والأساتذة/ عبدالعزيز الخريف، وعبدالله البسام، ومحمد القشعمي، وناصر المسعود، وعبدالعزيز البراك، وعبدالرحمن العبدالسلام، ومحمد الدخيني، وابنه عبدالعزيز، ودكتور زيد الدريهم، والفريق ناصر العرفج، واللواء سعد الخليوي ويعرب خياط، وسعد بن سعيدان، وعبدالله العجمي، وحمد العسكر، وناصر المسعود، ومحمد الحقباني وغيرهم.
وبمناسبة تكريمه عند تقاعده من مصلحة المياه بالخرج ألقى الشيخ عبدالعزيز الرويس قصيده قال فيها:
صُنت اليمين عن الخنى لم تعطها
شيئاً يَشينُ، ولم طعمت حَـلالا
خطوا الدُّريهم للمفاخر ظاهـرٌ
من أسرة تبغي المثاب مـآلا
قوموا لِسعْد قدروا أفعـاله
فهو الذي أسقـى الجميـع زُلالا
من زان في درب الحيـاة مسيرَة
نال الكرامـة واستـزاد كمـالا
قد كنت يا سعد الدّْريهم جـذوة
وقت الإدارة كنت فيه مثـــالا
هذا الوفاء هو الذي نزهو به
ويريد منكم جذوة ووصـالا
تكريم سعد يُعطه خير المُنى
ويضيف في سير الحياة جمالا
وقال عنه الشاعر سعيد الذياب بمناسبة صدور كتاب (الخرج):
كتاب الخرج يا سعدْ
كتاب رائع فــردُ
نشاطك في مباحثـه
بكل سطوره يبـدو
وقد أوليته جهـداً
كبيراً منك يا سعـدُ
إلى أن جاء مكتملاً
بجيد كتابك العقـدُ
وأصبح مرجعاً ثبتاً
سواك به سيعتـدُ
عن الخرج الذي أبداً
به التاريخ ممتــدُ إلخ...
لقد كان -رحمه الله- بشهادة كل من عرفه وفياً حفياً مخلصاً ودوداً متواضعاً كريماً مع الجميع، أما بره بوالديه فحدث به ولا حرج.. يذكر أقرب الناس به أنه عندما يعود من المسجد بعد صلاة الجماعة يؤم والده بالصلاة بعد أن عجز وقارب المائة من عمره، وكان عندما يُنوّم بالمستشفى يرافقه طوال الفترة ولا يخبر أحداً بذلك حتى وفاته 1423هـ أما والدته فقد توفيت عام 1395هـ -رحمهم الله- رحمة واسعة، وقد خلف من الأبناء عبدالعزيز وعبدالله ومحمد وعبدالرحمن ووليد ومن البنات: أسماء ونورة وسارة ومنيرة وابتسام وأثير.