لا شك أن التصادم الفكري يعد أحد مولدات الأفكار، بالإضافة إلى المعاناة، التي اعتبرها الفلاسفة مولدة للإلهام..، فلذلك ما أريد سبر أغواره هو أن هناك إيحاءات أدت لاتضاح صورة التأمل فتجسّد بعد ذلك الإلهام بصوره، فلقد شاهدنا نماذج كثيرة من الفلاسفة، التي كانت المعاناة أحد سبل انفجار الإبداع الكامن في أعماقهم، مما ولّد لدينا إرثاً عظيماً من العلم، الذي وإن حولنا أن نغوص في داخله لن نبلغ نهايته.
فهم وإن اختلفوا، وتعددت نظرياتهم وأقوالهم، إلا أنهم يملكون حججاً دامغة وقوية، ترجح انعقاد لكلٍ منهم نظريته.
فمنسوب الإلهام لايخضع لاحتمالات، إنما له علاقة في تجاذب الكثير من الأطراف، فكثيراً ما نجد كتباً تحث بأساليب متعددة أن الإلهام يكتسب، وفي الحقيقة هو شعور ناتج من مرحلة، وانبثاق واسع يتدفق من أجزاء صغيرة لا يُحسب لها أدنى اهتمام، الصورة السيئة أن تجد من يشرح لك طقوساً تجلب الإلهام وكأنها صنعة تُعلم، ومهارة تُكتسب، وحرفة يقتات عليها من لا هواية له، على النقيض نسمع هناك وفي بيئة فقيرة بكل ما أوتي هؤلاء، أنهم ورغم معاناة الأمرين إلا أنه كان هنالك شيء انبثق ليتسع في أعماقهم، وشرارة اتسع مداها، آمنوا بأجزاء نمت معهم، فخلقوا من رحم الألم هدفاً بعيداً، كلما حادوا عن هذا الهدف، استرجعوا المعاناة التي منها استلهموا ذلك المدى البعيد، والطريق الطويل، الإلهام يعني أن تجول الكون بكامله من خلال التجول بأفكارك، لتعقد صفقة مع فكرة من عمقها المكتسب تنقذ جوانح مكسورة، وتأخذ بأيدي عابرين ضلوا الاستقامة.
** **
- محمد القرني